تفسير (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ)
أما قوله: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:٣] ففيه قضايا:
من هذه القضايا ما يلي:
القضية الأولى: لا والد لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ولا ولد، وليس له صاحبة.
واليهود قالوا: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠].
والنصارى قالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠].
والمشركون قالوا: الملائكة بنات الله، فنفى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عنه الولد والوالد.
{قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة:٣٠].
القضية الثانية: لماذا بدأ فقال: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} [الإخلاص:٣] فبدأ بالولد، مع أن الوالد أهم؟
قالوا: لأنه لم يُقَل أحد: إن الله له والد، لم يُقَل هذا، أو لم ينتشر ولم يشتهر، وليس هناك ملة أو نحلة تقول: إن الله له والد؛ لكن اليهود يقولون: إن لله ولداً، والنصارى يقولون: إن لله ولداً، ومشركو العرب يقولون: أن لله ولداً.
ومشركو العرب {وجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ} [الزخرف:١٩].
والمعنى: أشهدوا خلقهم؟! هل حضروا؟ هل رأوا تركيبهم؟
وأما النصارى فقالوا: عيسى ابن الله لعنهم الله.
وقال اليهود: {عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠].
فرد الله عليهم بنفي الولد أولاً، ثم أتى بالوالد، وإلا فالوالد أهم.
قال: (لَمْ يَلِدْ) فلم يلد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كما ولدت مريم.
(وَلَمْ يُولَدْ) كما وُلِدَ عيسى، وعزير، وقد رد سُبحَانَهُ وَتَعَالَى على النصارى، واليهود، ومشركي العرب في هذه القضية التي أتوا بها.
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً} [مريم:٨٨]: وهذا القول، ذنبٌ كبير، وليس هناك ذنب أكبر منه.
{وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم:٨٨ - ٩٥]
وهذا رد على هذه المقالة الفاجرة الخائنة، وعلى أصحابها، حسيبنا الله عليهم.