وأما قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عن المؤمنين لما سكنوا مساكن الجنة:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الأعراف:٤٣] فقال عامة المفسرين: الحمد الذي هدانا لطريق الجنة بالعمل الصالح فاهتدينا، وقال غيرهم: الحمد لله الذي هدانا منازلنا فعرفناها في الجنة، وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:{للمؤمن في الجنة أدل بمنزله منه في الدنيا} فيدخل المؤمن في الجنة فيعرف منزله، تلك المنازل:
فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيم
ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
أما والذي شق القلوب وأوجد الـ ـمحبة فيها حيث لا تتصرم
وحملها جهد المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويألم
لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتم أو حضرتم
قال: فالمؤمن يهتدي إلى منزله، كيف يهتدي؟ لأن الجنة واسعة عرضها السماوات والأرض، ومنزلك قد يكون في أقصاها، وأقل من يسكن الجنة له عشرة أمثال الدنيا، فيهتدي إلى منزله دون أن يعرف أو يدل، وذلك بهداية الله سبحانه، والصحيح أن:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا}[الأعراف:٤٣] أي: للعمل الذي أدخلنا الجنة، فإن الجنة تدخل برحمة الله وتنزل بالأعمال، ولذلك قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}[الزخرف:٧٢] فظاهر الآية أنه يدخل الجنة بالعمل، بينما قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام لما قال:{لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: حتى أنت يا رسول الله؟ قال: حتى أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته} قال ابن القيم: والجواب بين الآية والحديث أن الدخول في الجنة لا يكون إلا برحمة الله، ولا يدخل أحد بعمله، وأما النزول في المنازل والدرجات فبالأعمال، وهذا هو الصحيح المعتبر.