[الصحابة ينفقون في سبيل الله]
أيها الإخوة: النعم كثيرة وهي على أقسام: منها نعم ظاهرة؛ كنعمة المال، إن صرفته في مرضاة الله؛ أسعدك الله في الدنيا والآخرة، عبد الرحمن بن عوف دخل الجنة بماله، ولذلك لا يأتينا شاب يتزهد تزهد الهندوكية ويقول: الدين أن تبقى في المسجد ولا تطلب المال، ومن نام في الرصيف أفضل عند الله ممن نام في القصر! سئل ابن تيمية: أيهما أفضل الفقير الصابر أم الغني الشاكر؟ قال سماحته: بل أفضلهما أتقاهما لله، وقد ألفوا فيهما مجلدات، فأتى هو في نصف سطر، فحسم النزاع، الشافعية يقولون في بعض رسائلهم: الفقير الصابر، والأحناف يقولون: الغني الشاكر.
قال ابن تيمية: أتقاهما لله، ما عندنا الغني مذموم ولا الفقير مذموم، المذموم عدو الله غنياً كان أو فقيراً، إذا تعدَّى حرمات الله وانتهك، فهذا هو عدو الله، وإلا فـ عثمان غني، ولكن ماذا فعل بغناه؟!
قام عليه الصلاة والسلام على المنبر، وقال: {من يجهز جيش العسرة وله الجنة} هذا ضمان من محمد عليه الصلاة والسلام،
أنت الشجاع إذا لقيت كتيبة أديت في هول الردئ أبطالها
لست الذي ينهى ويأتي نهيه لا من يكذب فعلها أقوالها
فقام عثمان وسط الناس، وقال: أنا أجهزه يا رسول الله! بماله وأحلاسه وأقتابه، فدمعت عيناه عليه الصلاة والسلام، وقال: {غفر الله لـ عثمان ما تقدم من ذنبه وما تأخر، اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم}.
ابن عوف جاءته قافلة كاملة تريد المدينة -وكان تاجراً- سبعمائة جمل محملة بالحبوب والأكسية، فدخلت المدينة، فأعلن في التجار فاجتمعوا ليشتروها، قال ابن عوف: [[كم تدفعون؟ قالوا: ندفع في الدرهم ربح درهم، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك في الدرهم درهمين، قال: وجدت من زادني، قالوا: نعطيك في الدرهم ثلاثة، قال: وجدت من زادني، قالوا: نحن تجار المدينة، وما زادك أحد، قال: وجدت من أعطاني في الدرهم عشرة إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، قال تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦١].
أشهد الله ثم ملائكته وحملة عرشه ثم أشهدكم أنها في فقراء المدينة، فقام الفقراء على ما عليها فتقاسموها، وتولى الصحابة يبكون ويقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة، أليس هذا يدخل الجنة؟! أليس هذا طريق إلى الإحسان والعظمة؟! أليس هذا فوز بالدنيا والآخرة؟! بلى.
وهذا هو الكنز الثمين، والمنصب قد يكون نصرة للإسلام، وقد يكون ضد الإسلام، وقد يكون عقبة كئوداً في طريق الدعوة والدعاة.
عمر بن عبد العزيز تولى الخلافة فكان راشداً، قاد الأمة إلى بر النجاة، وأبو مسلم الخراساني تولى الإمارة، فقتل من المسلمين ألف ألف، أي: مليون، والحجاج قتل مائة ألف.
وما شر الثلاثة أمَّ عمروٍ بصاحبك الذي لا تصحبينا
قال تعالى: {قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} [طه:٥٢].