[أهمية التوحيد وفوائده]
التوحيد يصلك بالله، فيجعل في قلبك أن كل شيء بيد الله، التوحيد يجعلك تقول: (حسبي الله ونعم الوكيل) فإذا الدنيا أمامك أسفاط، وإذا هيئاتها وأشخاصها وكياناتها لا شيء.
قال ابن عباس في صحيح البخاري: [[حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم لما أوقدوا النار له فجعلها الله برداً وسلاماً]] وحسبنا الله ونعم الوكيل قالها محمد عليه الصلاة والسلام في أحد لما قيل له: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران:١٧٣ - ١٧٤].
(حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها خالد بن الوليد لما أقبل عليه جيش الروم كالجبال، كتائب مجندة، وجيوش مجيشة، مقيدون بالسلاسل، يحملون السيوف، وهم أضعاف مضاعفة على أعداد المسلمين، فإذا جيش المسلمين حفنة أمام الجبال من أهل الروم، فقال مسلم لـ أبي سليمان خالد بن الوليد قبل المعركة، يا أبا سليمان! انظر ما أكثرهم وما أقلنا، نفر اليوم إلى جبل سلمى وآجا فدمعت عين خالد -حامل القلب الذي فيه (حسبنا الله ونعم الوكيل) حامل القلب الذي فيه (لا إله إلا الله) خالد الذي تخرج من مدرسة محمد صلى الله عليه وسلم، خالد الذي تعلم في المسجد، وحمل القرآن، وتوضأ كل يوم خمس مرات.
وما أتت بقعة إلا سمعت بها الله أكبر تسعى في نواحيها
ما نازل الفرس إلا خاب نازلهم ولا رمى الروم إلا طاش راميها
فدمعت عين خالد وقال: [[لا والله، بل ما أقل الروم وما أكثرنا، ثم قال: لا نفر إلى جبل سلمى وآجا ولكن إلى الله الملتجأ، حسبنا الله ونعم الوكيل]] فانطلق في المعركة فسحق أعداء الله، قال تعالى: {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:٤٥].
(حسبنا الله ونعم الوكيل) خرج بها الأفغاني الفقير في ثيابه البالية، وبندقيته المجردة البسيطة يقاتل قوة الأرض العاتية الحمراء الروسية بدباباتها، وطائراتها ومدافعها، وهي تقصف الجو، والأرض وهي تهدم المساجد ويقول: (حسبنا الله ونعم الوكيل) فانتصر.
(حسبنا الله ونعم الوكيل) يخرج بها الضعيف أمام القوي فينهزم القوي، والفقير أمام الغني فيغتني الفقير ويفتقر الغني إذا تجرد عن (حسبنا الله ونعم الوكيل).
التوحيد جميل يجعلك وأنت على فراش الموت تتصل بالله، دخلوا على أبي بكر الصديق الموحد الكبير، نحيف الجسم لكنه قوي الإرادة، هزيل البنية لكنه كبير القلب، همته تمر مر السحاب {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [النمل:٨٨] قالوا: ألا ندعو لك طبيباً، قال: الطبيب قد رآني، قال: فعَّال لما يريد، أخذه الشعراء فقال أحدهم:
كيف أشكو إلى صبيبي ما بي والذي أصابني من صبيبي
دخلوا على عمران بن حصين -أحد الصحابة وقصته في الإصابة - قالوا: يا عمران! مرضت ثلاثين سنة ألا تدع الله، قال: [[ما دام الله يحب هذا المرض فأنا أحبه]]:
إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم
هذا التوحيد هو الذي جعل هذه النماذج تظهر للناس، التوحيد أتى بـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه على المنبر يوم الجمعة ببردة مرقعة أربع عشرة رقعة، فيصرف الدنيا وذهبها وفضتها الدنيا، ويقول في أول الخطبة: [[إنك تعلم ما أريد]] وصدق، نعلم ما تريد يا أمير المؤمنين، تريد جنة عرضها السماوات والأرض، ولذلك قرقرت بطنه في الخطبة من الجوع، فقال لها: [[قرقري أولا تقرقري والله لا تشبعي حتى يشبع أطفال المسلمين]] كل هذا توحيد وهو من معاني التوحيد، ولن تدرك أسرار التوحيد إلا إذا قرأت تراجم الصحابة؛ لأن الصحابة علموا التوحيد.
يأتي النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب والحديث صحيح قال: يا أبي: {! إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة -الله من السماء يأمر محمداً صلى الله عليه وسلم أن يقرأ على أبي سورة البينة - قال: أوسماني في الملأ الأعلى؟ قال: نعم إن الله سماك، وقال: الحمد لله أو كما قال، ثم اندفع صلى الله عليه وسلم يقرأ}.
التوحيد أخرج من هذه النماذج أمماً وأجيالاً، يأتي أحدهم إلى جبل أحد فيقال له: عد من المعركة والكفار أمامه صفوف قال: [[إليكم عني، والذي نفسي بيده إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]]
التوحيد يأتي بـ جعفر فتقطع يده اليمنى فيأخذ الراية باليسرى، فتقطع اليسرى فيضم الراية ويقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها