[صور من حياة السلف في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُنِيراً، وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً، والصلاة السلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
سلام الله عليكم ورحمة وبركاته، وأسعدنا الله بكم وبكل مؤمن، وأسعدنا جميعاً في دار كرامته في مقعد صدق عند مليك مقتدر، يوم يتقبل الله منا أحسن ما عملنا ويتجاوز عن سيئاتنا في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون.
معنا هذه الليلة محاضرة بعنوان: (ضوابط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ما هي الضوابط التي يقوم عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
وما هي آداب الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر؟
تلكم القضايا نسمعها في هذا الدرس مستضيئين بنور الكتاب والسنة، متوكلين على الله الواحد الأحد، جاعلين محمداً صلى الله عليه وسلم إمامنا وقدوتنا.
إذا نحن أدلجنا وأنت إمامنا كفى بالمطايا طيب ذكراك حاديا
فصلى الله على محمد ما ذكره الذاكرون، وغفل عنه الغافلون.
وقبل أن أبدأ بشيء من التفصيل في هذه المحاضرة أحب أن أستعرض معكم أهم القضايا التي نتدارسها في هذا الدرس:
أولاً: فضل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثانياً: الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ثالثاً: الأسس التي يقوم عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
رابعاً: هديه صلى الله عليه وسلم في الأمر والنهي.
خامساً: أهل الحسبة في الإسلام من هم؟ وما هي مواصفاتهم وأهليتهم؟
سادساً: سير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الأمر والنهي.
اعلموا -بارك الله فيكم- أن بعض علماء أهل السنة عدوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الركن السادس من أركان الإسلام، وأوجبوه وجوباً قطعياً.
وتحدث شيخ الإسلام في المجلد الثامن والعشرين من فتاويه عن هذا، وقال: من ميزات الأمة المحمدية أن فضَّلها الله بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فالأمم التي سبقت ما أمرت كلها بالمعروف في كل معروف، ولا نهت كلها عن المنكر في كل منكر، بل كان بعضها يأمر ببعض المعروف، وبعضها ينهى عن بعض المنكر، فلما أتى الله بالأمة المحمدية الرائدة الخالدة أمة الكتاب والسنة، الأمة التي نصبت جبهتها للشمس لترفع لا إله إلا الله، قال لها الله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠] قرأ أبو حفص الفاروق قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠] فقال: [[والذي نفسي بيده لا يتم أول الآية حتى يتم آخرها]] لا نكون خير أمة حتى نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله، نأمر بالمعروف ولو كان السيف على الرأس، وننهى عن المنكر ولو كان الموت يتحشرج في الحناجر.