[الرد إليهم عند المسألة والتنازع]
أما الرد إليهم: فأوجب الله علينا ذلك عند المسألة وعند التنازع، فقال: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣].
سمعت شاباً أفتاه بعض العلماء في مسألة في الجهاد، فقال: أنا لا أقبل فتوى هذا العالم.
قلت: لماذا؟
قال: لأنه لا يقبل فتوى القاعدين في شأن الجهاد، وإنما يقبل فيها فتوى المجاهدين.
قلت: يا أخي! ولماذا؟
قال: لأن هذا العالم يفتي وهو تحت المكيف، والمجاهدون يفتون وهم في الجبهة، فأنا أطلب فتوى المجاهد؛ لأنه في الجبهة، وأما فتاوى العالم القاعد تحت المكيف فأنا لا أطلب فتواه.
قلت: إن العلم لا يأتي بالمكيفات وغيرها، والفتوى ليست لقاعد ولا لمجاهد، الفتوى أوصلها الله وأسندها لأهل الذكر، وأهل الذكر إن كانوا في الجبهة سألناهم، وإن كانوا تحت المكيف سألناهم، والمكيف حلال بالإجماع وليس بحرام، والمكيف لا يدخل إلى تكييف العالم فيلغي علمه ونصوصه وإنما يبقى المكيف في الجدار، ويبقى قال الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، في رأس العالم {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣] إما مجاهد أو غير مجاهد، قاعد أو غير قاعد، فلا علاقة لهذا بالفتوى، وإنما: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:٤٣].
فإذا أشكلت عليكم المسائل فعودوا إلى كبار العلماء، إلى طلبة العلم الأجلاء، إلى الدعاة الناصحين، إذا استطاعوا أن يفتوكم في ذلك، وإلا فمن هو أعلم وأعلم {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف:٧٦].
يقول سبحانه: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:٨٣].
من الذين يستنبطونه؟
إنهم العلماء، لأنك تأتي بنص لعامي وعالم، فالعالم يدرك من جلالة ومقصد النص ما لا يدركه العامي:
وإن تَفُقِ الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال
يقول المتنبي لـ سيف الدولة: (إذا كنت ذكياً وأنت من البشر، فإن المسك من دم الغزال، لكن ريحه مسك، يباع القليل من المسك بقناطير الذهب، ولكن كيلوات الدماء من دم الغزال لا يباع بدرهم).
وإن تَفُقِ الأنام وأنت منهم فإن المسك بعض دم الغزال
إذاًَ كيف نرد إليهم؟
إذا أشكلت علينا مشكلة، أو أتتنا أزمة، أو ألمَّ بنا حادث، هرعنا إلى العلماء، وقلنا: يا علماء الإسلام! يا أهل الحل والعقد! يا نجوم الأمة! هذه مسألة معضلة، أفتونا مأجورين فيها، فإنا نطلب فتواكم، فهذا واجبنا أن نرد إليهم.
ولقد رأيت بعض الناس يقول: أصبحت الثقة غير متبادلة، وعلينا أن نفتي أنفسنا الآن؛ لأن الموقف يتطلب شجاعة وحماساً، ولا يتطلب أن نعود إلى هؤلاء، لماذا؟
وهل الفتوى بالحماس والشجاعة؟!
أو بكبر الجسم والعضلات؟!
إنما الفتوى بالعلم، وكان الصحابة يتدافعون الفتيا خوفاً من الله، وفي أثر مرسل لا يصح مرفوعاً فيما أعلم: [[أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار]].
يقول أحد التابعين لبعض طلبة التابعين: [[والذي نفسي بيده إنكم تفتون في مسائل لو عرضت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر]] لكن ما بالك إذا كان الشاب في الخامسة عشر من عمره، يتربع، يناقش هيئة كبار العلماء في أكبر المسائل، ويقول: خالفوا الأدلة، الذي ظهرت لي بعد طول تأمّل.
كم عمرك حتى طال التأمل؟!
ومن أنت حين تقول: الذي ظهر لي بعد طول تأمل، والذي عليه ترجيحي وترجيح أصحابي، أن هذه المسألة كيت وكيت؟!
فالواجب الاحترام، وأهل العلم لهم تجربة، ولهم عقل، ولهم قدم، وسوف أبرر لماذا يكون لهم عقل وعلم، ثم نطالبهم بحقنا عليهم؟ لأن لنا عليهم حقوقاً.