للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[استخدام وسائل الإعلام للدعوة]

بإمكانك أن تجعل هذا الكأس أداة لشرب الماء أو كأساً للخمر, بإمكانك أن تجعل مكبر الصوت لتكبير الدعوة والمحاضرة والدرس أو صوتاً للغناء والفجور والكلام الفاحش, وهذه الوسائل يجري عليها هذا الحكم, وليس بصحيح أن تبقى هذه الوسائل الإعلامية وأعداؤنا يستغلونها في تنبيه الرأي العام في بلادهم، ونبقى نحن نكلم الناس فقط في حدود المسجد وهي تستغل في غير ما وضعت له, ربما يقول البعض: رأيك خطأ؟

أقول: المصلحة تقتضي أن تستغل في الخير, المسألة مسألة إيمان وكفر, ولم تعد مسائل اجتهادية فيها الأرجح والراجح, المسألة إما أن تستغلها في نشر الإيمان، وإلا فغيرك يستغل هذه الأدوات في بلاده لنشر الكفر.

يقول أحد الدعاة: السوق سوق مناهبة, الشيطان ينهب وأنت تنهب, ولا بد لمن ينزل إلى الساحة من تنازلات؛ لكن لا يتنازل عن مواثيقه ولا مبادئه ولكن يتنازل ليصل إلى المصلحة.

مر ابن تيمية بجيش التتار وهم يشربون الخمر, فقال له أحد العلماء: يا أبا العباس! انصحهم لا يشربون الخمر؟ قال: اتركهم يشربون الخمر، فشربهم للخمر أولى وأحسن لأنهم إذا شربوا الخمر سكروا, ولكن إذا تركوا الخمر صحوا وقتلوا المسلمين, وهذه هي الحكمة.

ولذلك يقول ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل: ليس الذكي الفطن هو الذي يعرف الخير من الشر فإن جل الناس يعرفونه, فالطفل يعرف أن هذه جمرة وهذه تمرة, لكن الذكي الفطن الذي يعرف خير الخيرين من شر الشرين.

فشاشة تكلم بها الملايين وتعلمهم عقيدة التوحيد, أولى من أن تتركها فيأخذها غيرك في البلاد المعادية فيستغلها في توجيه الناس على الرأي والإلحاد والزندقة, فهذه عارضة.

والله عز وجل ذكر الأمم بالتفصيل ثم أتى بالإجمال ثم أتى يفصل فقال: {فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [العنكبوت:٤٠].

سنة الله في الكون, وسنة الله في البشر, وقد ورد في الحديث: {إن العبد يحرم الرزق بالذنب يصيبه} رزق يأتيك ربما مُنعته بسبب الذنب, يقول أبو سليمان الداراني: "إني أعصي الله فأنكر ذلك، فأعرف ذلك في أخلاق دابتي وامرأتي" قلَّت ذنوبهم فعرفوا من أين أتوا! لكن نحن كثرت ذنوبنا وخطايانا فلا ندري من أين تأتينا اللطمات.

تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراش ما يصيد

الآن ربما يأتي حادث بسبب ذنب -حادث سيارة أو مرض أو احتراق منزل- وعندما يفتش الإنسان نفسه لا يدري بسبب هذا الحادث من كثرة الذنوب, يبحث عن دخله فيجد فيه رباً وغشاً, يرى اللهو في بيته والغناء, يرى أنه متخلف عن صلاة الجماعة, الحجاب لا يقيد به أهله, غض البصر, حفظ نفسه, حفظ سمعه وبصره, فيلطم من كل جهة بسبب الذنوب.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: [[إن للحسنة لنوراً في الوجه، وبياضاً في القلب وانشراحاً في الصدر، واتساعاً في الرزق، وإن للسيئة لظلمة في الوجه، وسواداً في القلب، وضيقاً في الصدر، وضيقاً في الرزق]] هذا جزاء من الله حيث قال: {جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ:٢٦] وهي من سنن الله عز وجل الكونية, فيقول سبحانه عن آدم: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} [طه:١٢١] غوى عن منهج الله لما عصى: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه:١٢٢].

<<  <  ج:
ص:  >  >>