[توزيع النبي صلى الله عليه وسلم للغنائم]
وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان بن حرب الذي كان قائداً رهيباً عسكرياً من قواد قريش, أعطاه مائة ناقة ليتألفه للإسلام، وأعطى عيينة بن حصن الفزاري الغطفاني مائة ناقة، وأعطى الأقرع بن حابس التميمي مائة, وأعطى كثيراً من صناديد نجد من مائة ناقة ليتألفهم على الإسلام.
فلما أعطاهم العطاء, أعطى العباس بن مرداس سيد بني سليم خمسين ناقة ولم يعطه مائة, وكان العباس رجلاً شاعراً، فصنف قصيدة ورفعها للرسول صلى الله عليه وسلم، يقول فيها: كيف تعطيني خمسين ناقة وتعطي أبا سفيان مائة وتعطي الأقرع مائة, وعيينة مائة؟ يقول:
أتجعل نهبي ونهب العُبيد بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع
وما كنت دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفع
يقول: آباؤهم ما كانوا يفوقون أبي, فكيف تفوقهم اليوم علي؟ -في قصيدة طويلة- فوصلت القصيدة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وهو في خيمته, فقال أبو بكر -وكان حفاظة داهية نسابة يحفظ الأشعار والأخبار- قال: يا رسول الله! أتدري ماذا يقول عباس بن مرداس السلمي، قال: لا، قال: إنه يقول:
أتجعل نهبي ونهب العُبيد بين عيينة والأقرع
وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في المجمع
فتبسم عليه الصلاة والسلام وأخذ يقلب شيئاً في يده, والله يقول من فوق سبع سماوات: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:٦٩] وكان إذا سمع قصيدة كسر أبياتها؛ لأنه لو كان ألقاها لقال القرشيون أو أهل الوثنية: إن هذا القرآن شعر, وبالفعل قد قالوا: إنه شعر: {وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} [الفرقان:٥] فيقول صلى الله عليه وسلم وهو ينشد الأبيات:
أتجعل نهبي ونهب العُبيد بين الأقرع وعيينة
فكسر البيت، فتبسم أبو بكر وقال: صدق الله: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} [يس:٦٩].