[تعنت بني إسرائيل في الأسئلة]
قال الله تعالى على لسان نبيه موسى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً} [البقرة:٦٧] هذه هي كلمة أبي جهل وكلمة الخونة العملاء، أمام العلماء والدعاة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها, قالوا: أتتخذنا هزواً وتضحك علينا؟ نسألك عن القتيل فتقول اذبحوا بقرة!
تقول له زيداً فيسمعه عمراً ويكتبه بكراً ويقرؤه فهراً
قال: بل اذبحوا بقرة، قال: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ} [البقرة:٦٧] قال أهل العلم: من سخر بالوحي فقد جهل, ومن عبث في التعليم فقد جهل، ومن أتى بالهزل في موطن الجد فقد جهل.
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ} [البقرة:٦٨] شددوا فشدد الله عليهم، وهذا مثل ما يفعل الذين يأتون إلى الدين فيتصورون أنه جامد وأن فيه التزمت وأنه متطرف, فتثقل عليهم التكاليف كالصلاة والسجود وأبسط الأشياء, وتسهل عليهم أمور الدنيا والمعصية، حتى أن أحدهم يستطيع أن يراهن بأمواله ويسافر إلى بلاد المعصية وتثقل عليه حجة أو عمرة.
{قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ} [البقرة:٦٨] ليست بالكبيرة المسنة ولا بالصغيرة البكر، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ} [البقرة:٦٨] فضيقوا الدائرة عليهم, {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا} [البقرة:٦٩] وإلا فالله لم يسألهم عن اللون، ولم يشترط عليهم لوناً خاصاً {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:٦٩] وهذا أجمل لون؛ كشعاع الشمس الذهبي عند الغروب، قال الحسن البصري: " يعني سوداء " قال أهل العلم: ليست بسوداء وإنما هي صفراء فاقع لونها، فإنه يقال: للأسود قاتم، وللأصفر فاقع، وللأحمر قاني، وللأخضر باقع، وللأبيض يقق, قال: {فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ} [البقرة:٦٩] فاجتمعوا في مجلس مغلق ثم عادوا إليه: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:٧٠] فيتدخل رسولنا عليه الصلاة والسلام عند هذه الكلمة فيقول: {وأيم الله! لو لم يقولوا: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:٧٠] ما وجدوها أبداً} ولكن استدركوا فقالوا: {وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} [البقرة:٧٠].
قال موسى: ما دام أنكم سألتم، وعرضتم الإشكال، وتشددتم، فلا بد لكم من تشديد، {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:٧١] قال المفسرون: ليست مهيأة للحرث ولا للزرع، ويسمونها معززة أي لم تحرث ولم تزرع، لا تثير الأرض زراعة ولا تسقي الحرث, مسلمة قالوا: أي سليمة من العيوب، لا فيها مرض، ولا هي عوراء ولا هتماء ولا عضباء، إلى غير تلكم العيوب.
لا شية فيها, قال: بشرط ألا يكون فيها بقعة تخالف لون الأصفر الفاقع، وهذا التشديد؛ كما يشدد الكهنة والسحرة في أوصافهم عندما يريدون الضحك على عقول الناس وتعجيزهم, فيشترطون ألواناً للتيوس التي تذبح, أسود قاتم، أو أحمر قانئ، أو أصفر فاقع، فإذا علموا أنها انتهت التيوس السود من الأسواق انتقلوا إلى الصفر فالحمر فالبيض.
قال: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ} [البقرة:٧١] قال أهل العلم: كأنهم يقولون أما قبل الآن فما جئت بالحق.
فقد كان يضحك عليهم إذن، ويسخر ويستهزئ بهم في ظنهم.
{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:٧١] [البقرة:٧١] متى ذبحوها؟ طافوا مدن بني إسرائيل وقراهم قرية قرية؛ فوجدوا هذه البقرة عند عجوز تحلبها وتعلفها، والعجوز علمت أنهم بأشد الشوق إلى هذه البقرة فبالغت في الثمن، قالوا: كم ثمنها؟ قالت: لا أبيعها.
قالوا: اطلبي ما شئت من المال.
قالت: إذا ذبحتموها وسلختموها فاملئوا جلدها ذهباً فهذا ثمنها.
قالوا: سمعاً وطاعة.
فقل للعيون الرمد للشمس أعين تراها بحق في مغيب ومطلع
وسامح عيوناً أطفأ الله نورها بأبصارها لا تستفيق ولا تعي
يقول بعض العلماء: مثل بني إسرائيل الذين ردوا أوصاف البقرة حتى وقعوا في الثمن, أمثالهم في الأمة كمن رفض التكاليف, بل ليست تكاليف, إنما هي عبادات سهلة ميسرة؛ حتى تخللت أقدامه النار يوم العرض الأكبر، وكان صلى الله عليه وسلم يشير إلى هذا فيقول: {أسبغوا الوضوء، ويلٌ للأعقاب من النار} قال أهل العلم: فمن لم يتحمل مشقة الماء البارد ليسبغ الوضوء؛ حمله الله نار جهنم في عقبيه، وقس على ذلك.
{فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [البقرة:٧١] فلما ذبحوها ملئوا جلدها ذهباً فأخذته العجوز, وأخذوا الغضروف فضربوا به الميت؛ فانتفض من قبره حياً بإذن الله فإذا به واقف, قال موسى: من قتلك؟ قال: ابن أخي هذا.
هذا هو المجرم الذي أتى يسأل عمن قتل عمه، فقتله موسى.
هذه هي القصة.