يمر أبو حنيفة على صف من الملحدين فيقول له الزنادقة: يا أبا حنيفة، دلل لنا على وجود الباري.
سبحان الله! أفي الله شك؟! سل الزهرة من خلقها؟ وسل النحلة من أرسلها؟ وسل شعاع الشمس من بثه؟ وسل النسيم من أجراه؟ سل الحب من أسكنه القلوب؟ سل نور العين من ركبها في المقل؟ سل الإشارة ما لها تشير؟ سل الليل ما له يظلم؟ سل النهار ماله يتجلى؟ قال تعالى:{وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا}[الشمس:١ - ٧] إنه الله جل في علاه.
فقالوا له: يا أبا حنيفة! دلل لنا على وجود الباري.
وأبو حنيفة داعية الإيمان قبل أن يخبر بميراث الجدة والعمة والخالة لقد أتى بالإيمان وأسس دعوته على الإيمان قبل أن يأتي بالسنن والفرعيات التي لا تغفل ولكن تعطى حجمها.
قال لهم الإمام: أرأيتم سفينةً عبرت عباب دجلة، ونزلت بالشاطئ بحمولتها، ليس لها قائد ولا سائق ولا ربان؟ قالوا: ليس هذا بصحيح.
قال: لماذا؟ قالوا: العقول تنكر هذا.
قال: سبحان الله! سماء ذات أبراج، وليل داج، وأرض ذات فجاج، وبحر يزخر، ونجوم تزهر، ألا تدل على السميع البصير؟ قالوا: بلى.
هذا هو الاستدلال، وهو عالم الإيمان، والصراع الدائم والخالد والباقي بين الإيمان والكفر، يقول تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}[الفرقان:٣١] ويقول تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ}[البقرة:٢٥١] إنه صراع بين (لا إله إلا الله) وبين (لا إله والحياة مادة).