[صحبة الصالحين والأخيار]
صحبة الصالحين:
وقد كانوا إذا عدوا قليلاً وقد صاروا أقل من القليل
لا تجلس مع بعض الناس، أو مع بعض الزملاء الذين يبعدونك عن الله، فأنت تريد أن تقرب من الله وهم يبعدونك عنه أميالاً، تريد أن تقترب من الجنة، فيقربونك من النار، تريد أن تقترب من الهداية، فيأخذونك إلى الغواية.
فعليك أن تجلس مع الصالحين، وعند الجلوس مع الصالحين تتنزل الرحمات من السماء، وتحفك السكينة، ويغشاك الله بفيض من رحمته، ويذكرك الله فيمن عنده.
ولذلك تمر الملائكة، ثم يصعدون إلى الله، فيقولون: {يا ربنا! جلس أولئك القوم يذكرونك وفيهم فلان ليس منهم، قال الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: اغفروا لهم جميعاً، وله فاغفروا، قالوا: إنه ليس منهم، قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم}.
فمثل هؤلاء يرحمك الله برحمتهم، ولو كنت بعيداً عنهم، ويدخلك الله معهم.
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يلقي خطبة في مسجده الميمون المبارك، والناس كلهم آذان صاغية لسماع خطبته، وفي أثناء الخطبة يدخل أعرابي فيقطع الحديث على الرسول صلى الله عليه وسلم، ويقول: {يا رسول الله! متى تقوم الساعة؟ -فلم يقطع صلى الله عليه وسلم خطبته، بل استمر في كلامه كالسيل المنحدر- فلما انتهى، قال: أين أراه السائل عن الساعة؟ قال: أنا يا رسول الله! قال: ما أعددت للساعة؟ -يعني: العمل ليس أن تسأل عن الساعة ومتى تقوم، وما يهمك أن يدمر العالم، إذا كان موتك بعد لحظات، أو أسابيع، أو سنوات، ما يهمك أن تقوم الساعة، فإذا مت فقد قامت ساعتك- قال: فماذا أعددت للساعة؟ قال: يا رسول الله! والله ما أعددت لها من كثير عمل، ولا صلاة، ولا صيام، ولا حج، ولا عمرة، لكني أحب الصالحين، فقال صلى الله عليه وسلم: أنت مع من أحببت، قال أنس رضي الله عنه وأرضاه -راوي الحديث- فوالله ما فرحنا بكلمة سمعناها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحنا بهذه الكلمة، فنحن نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، ولو لم نعمل بعملهم}.
فالله الله في الجلوس مع الصالحين، والابتعاد عن الفسقة، والمردة، والمتهاونين بهذا الدين، والمتهاونين بالوقت والحياة، ابتعدوا عنهم الجهد، وانفروا عنهم، ولو كانوا الإخوة الأشقاء من الأم والأب.
يقول الشافعي -رحمه الله-:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي ولو كنا سواءً في البضاعة
ثم يرد عليه الإمام أحمد، فيقول:
تحب الصالحين وأنت منهم ومنكم كم تلقينا الشفاعة
فأحب الصالحين، واجلس مع الصالحين، وعليك بهذه الأسباب، وتقرب إلى الله عز وجل بما استطعت من النوافل، لأننا أصبحنا قوماً كما يقول محمد إقبال: علفنا الأكل.
كان السلف الصالح علفهم الذكر، على مفهوم فلسفة محمد إقبال، وكان قربتهم إلى الله وموائدهم القرآن, والصيام والصلاة وأصبحنا الآن نعتلف, علفنا الموائد الشهية، أكل وشرب وضحك وزيارات، إنهاء للوقت، وضياع للمعلومات وللصالحات، فهذه حياته.
ولذلك قلّ من تراه من المسلمين من يصلي ركعتي الضحى التي هي ركعة الأوابين، والتي تعادل ثلاثمائة وستين حسنة، والتي ينظر الله إليهم في الضحى، وهم يتململون في الضحى والناس في أعمالهم ومشاغلهم، فيغفر الله لهم.
وقل من تراه منا يقوم في آخر الليل ساعة السحر حينما يخلو الله بأحبابه، وبالخواص من عباده فيناجيهم ويناجونه، ويدعونه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ويستغفرونه.
وقل من تراه يتوضأ ويصلي ركعتين.
وقل من تراه يختم القرآن، ويتعاهد القرآن كل أسبوع، أو على الأقل كل شهر.
وقل من تراه يزور المقابر ويجلس مع الصالحين في كتب التراجم والأولياء ويزور الصالحين ويستزيدهم إنما نشكو حالنا إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
نسأله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يبدل حالنا بأحسن منها، وأن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يتولانا فيمن تولى، وأن يحلينا بالإيمان وبحلية اليقين والإحسان، وأن يذكرنا المصير المحتوم، وأن يجعلنا ممن يستعد له الاستعداد الطيب، وأن يحفظ علينا أوقاتنا وأعمارنا وحياتنا.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا، وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا إننا سمعنا منادياً ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا، ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.