[الموازنة بين المحاسن والمساوئ]
القضية التي أريد أن أنبه عليه ولعلها الثالثة هي قاعدة: أن نزن الناس بحسناتهم وسيئاتهم.
يقول الله عز وجل في كتابه: {أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف:١٦]
وقديماً قال أحد الشعراء:
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه
وقال آخر:
تريد مهذباً لا عيب فيه وهل نار تكون بلا دخان
إن الذي يقوِّم الناس ولا يقوِّم نفسه ضال، إن الذي يريد أن يجعل الناس في مستوى الخيال في الكمال، ولا يقوِّم نفسه في هذا المستوى ضال، وذنبنا وخطيئتنا وتقصيرنا أنا نرى الأذى والقذى والذرة في عيون إخواننا ولا نرى جذع النخلة في عيوننا! إن جبالنا من الأخطاء نجعلها ذرات، وإن ذرات الآخرين من الأخطاء نجعلها جبالا.
ترجم الذهبي لـ قتادة بن دعامة السدوسي أحد رواة الصحيحين فقال عنه: رمي بالقدر، ومع ذلك فهو بحر في العلم، رأس في القرآن، حافظ في الحديث، فنسأل الله العافية، ولكن نقدره بهذه الأمور، ومع ذلك لا نسكت عن بدعته.
إن من يبتدع لا نسكت عنه، ولا نقول له: أصبت، ولا نقول: بيننا وبينك إخاء إلا في الجانب أن تتنازل عن هذه البدعة.
إن من يخطئ في مسألة نقول له: أخطأت، لكن بالنصيحة، ومن تكتم على شيء فلا نصور له فوق ما تكتم عليه، بل نتركه وما تكتم، لكن إذا علمنا فيه شيئاً تكتمنا، لكن من شهر بدعته وخطأه على الناس، فواجبنا الرد عليه وأن نشهر الخطأ لرد الناس عن هذا الخطأ.
من سكت سكتنا، ومن تكلم أمام الناس ودعاهم إلى مذهب ضال تحاكمنا معه إلى الكتاب والسنة: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] الرد إلى الله أي: إلى الكتاب، والرد إلى الرسول أي: إلى السنة، نحن لا نعمل في فراغ، كل واحد ربما يقول: الكتاب والسنة.
لكن يا أيها الإخوة! الأمة مسيرة بمنهج منذ القرن الأول إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والكتاب موجود، والسنة موجودة، ولسنا بحاجة إلى من يتكلم أو يقنن أو يحدد أو ينظر، صحيح أن له أن يتكلم في الأساليب وفي الأمور التي تنفع الدعوة، لكن ليس له أن يتكلم في صلب المنهج والتشريع، نقول له: كثر الله خيرك! عندنا ما يكفينا، ونوزع على الناس، نحن نصدِّر ولا نستورد، عندنا الطاقة الكاملة.
أنت إن فهمت من النص فافهم، وإذا لم تفهم فاذهب وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.
هذه مسألة هذا الأمر.