للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لا أحد يدخل الجنة بعمله]

بل أورد بعضهم في كتب الآثار: أن رجلاً من بني إسرائيل، عبد الله في جزيرة من الجزر، ومعه رمانة، منقطع عن كل شيء -المنقطع لا يعرف الكذب ولا يزني ولا يغش ولا يغتاب؛ فليس عنده إلا حجارة وحطب- فجلس على هذه الجزيرة عنده رمانة يعبد الله خمسمائة عام، فلما توفاه الله، قال: يا عبدي، ألك ذنوب؟ قال: لا.

ما أظن أني أذنبت ولا أسأت ولا عصيتك يا رب! قال: هل تريد تدخل الجنة بعملك أو برحمتي؟ قال: بل بعملي -يعني تكاثر الخمسمائة عام- قال الله عز وجل: يا ملائكتي أحصوا عمله ونعمتي عنده، فأحصوها، فوجدوا أن صلاته وعبادته وشكره في خمسمائة عام لا تعادل إلا نعمة البصر، والبقية هالك فيها، قال: خذوه إلى النار، فصاح وقال: يا رب أدخلني الجنة برحمتك.

فيقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {لن يدخل الجنة أحد بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته} لا يُعرف أحد أبداً عنده يد عند الواحد الأحد، كلنا عنده فقراء ومخطئون، كلنا مسيئون ومقصرون.

يا من تمنن بركعتين اثنتين أو بعشرة ريال دفعتها إلى فقير، أو بقراءة بعض الآيات، أو بعض التسبيحات، أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم قدموا أنفسهم في سبيل الله، أصحاب محمد أصبحت أجسامهم جراحات، يقول عروة بن الزبير: [[والله إني كنت ألعب في جسم أبي بعدما كبرت من آثار جراحات المعارك في الإسلام]] كان الزبير جسمه مغارات، جسم الزبير جرح هنا وهناك، وفي ظهره وفي رأسه، وفي وجهه من ضربات السيوف في سبيل الله.

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهنّ فلول من قراع الكتائب

رحماك يا رب! لم نقدم للإسلام شيئاً، نريد فقط منا يا جلوس، ويا أمثالكم من الصالحين أن ننزل إلى الشارع الإسلامي، ننزل إلى الشاطئ، ننزل إلى المقهى بحكمة، ننزل إلى مجمع الناس، ليأتي كل واحد منا بعاص واحد إلى المسجد، أنا أسألك بالله أن تذهب وتدل عاصياً أو تأتي به إلى محاضرة، أو إلى درس، أو تهدي له شريطاً أو كتيباً أو كلمة نافعة: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً، خير لك من حمر النعم} نريد أن ندل الناس على منهج الله؛ لأننا إن سكتنا وداهنا وتركنا العصاة؛ زاد الحال وتحول إلى سوء المنقلب {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢] ونعمة الجوارح من أعظم النعم، وعند الترمذي بسند يحسنه بعض العلماء، يقول عليه الصلاة والسلام: {استحيوا من الله حق الحياء، قالوا: يا رسول الله! إنَّا نستحي من الله حق الحياء، قال: ليس ذلك بحق الحياء، حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وأن تذكر الموت والبلى}

نظر رجل من الصحابة إلى امرأة جميلة فبكى وذهب إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وقال: {يا رسول الله! نظرت إلى امرأة فما كفارة ذلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: اصبر فإني لا أعلم في ذلك كفارة حتى ينزل عليَّ، فأنزل الله: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} [هود:١١٤]-وقيل بدل النظرة قبلة- قال: ألي يا رسول الله خاصة، قال: لك ولكل من عمل بعملك إلى يوم القيامة}.

أيها الصحابي الجليل! ليتك تدري أن من الشباب من أطلقها نظرات وفاحشات ومنكرات، سافر بعضهم إلى بلاد الكفر، سافر بعضهم وترك مهبط الوحي إلى بانكوك، هل ليعتمر أو يحج، أو ليطلب العلم؟ بل ليضيع رسالته الخالدة، وليبيع إيمانه وليتحول إلى بهيمة أو دابة، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:٤٤] تنَّزل بهم الحال، وساء بهم المنقلب إلى أن أصبح الإنسان يطارد معصيته وفجوره، ويعلن تمرده على الله، فأحدهم خرج من الجزيرة إلى بلاد الغرب، قال له أحد الدعاة: اتق الله، قال: الله في الجزيرة أما هنا فلا سبحان الله! قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧] {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء:٢١٨ - ٢١٩] يعلم السر وأخفى.

في كتاب الزهد لـ أحمد: " أن أبا بكر الصديق يقول: [[يا أيها الناس، استحيوا من الله حق الحياء، والله الذي لا إله إلا هو أني لأذهب إلى الخلاء لأقضي حاجتي، فأضع ثوبي على وجهي حياء من الله]].

جزاك الله عن الإسلام مغفرة؛ حياء من الله حتى في هذا الحال! ولذلك يقول مُطرف [[ما غلبهم أبو بكر بكثرة صيام ولا صدقة ولا صلاة، ولكن بإيمان وقر في صدره]] ويقول عثمان: [[لم أغتسل قائماً منذ أن أسلمت حياء]] وإلا فالغسل قائماً جائز ووارد، لكن يستحي من الله، فتستحي منه الملائكة.

ونريد هذا الحياء أن يتحول إلى مجتمعاتنا وبيوتنا، إلى قلوبنا، مع زوجاتنا وأخواتنا وبناتنا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>