للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لفظ الجلالة وأقوال أهل العلم فيه]

(الله) لفظ الجلالة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أبى كثير من النحاة أن يكون مشتقاً، وقالوا: إنه جامد، وهو عَلَم على الله.

وبعضهم قال إنه مشتق مِن: (أَلَهَ) إذا سكن، ولا تسكن القلوب إلا إلى الله، فقد جَرَّبَتِ القلوبُ أن تسكن إلى البشر فرفَضَتْ، جَرَّبَتْ أن تسكن إلى الكراسي فأبَتْ، جَرَّبَتْ أن تسكن إلى المناصب والسيارات والوظائف والوزارات والكيانات والأوسمة والمنظمات فرفَضَتْ وعصَفَتْ وأبَتْ وفَكَّتْ قِيادَها.

إلى أين تسكن؟ إلى الله {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨] {وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} [الزمر:٣٦] فكل هذه الكيانات كمثل بيت العنكبوت، وبقي الله وحده تسكن إليه القلوب، فقالوا: إذاً الله مِن (أَلَهَ).

وقال بعضهم: إنه مشتق مِن: (وَلهَ) أي: تحير، فتتحير وتندهش من الباري سُبحَانَهُ وَتَعَالَى وقدرته وعظمته، ولا تستطيع أن تصفه، ولذلك يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١].

سيبويه في كتابه العظيم الكتاب عندما وصل إلى كلمة (الله) قال: الله عَلَم لا يحتاج إلى تعريف.

يقول ابن يعيش في ترجمته لـ سيبويه: رؤي في المنام، فقيل: يا سِيْبَوِيْه! ما فعل الله بك؟ -ويطلق عليه المحدِّثون: سِيْبَوْيَة، والنحاة: سِيْبَوِيْه- قال: غفر لي، قيل: بماذا؟ قال: بكلامي في لفظ الجلالة.

ورأيتُ ابن القيم في مدارج السالكين نسب كلمات إلى شيخه ابن تيمية رحمهما الله يقول: إن الله دليلٌ على الكائنات، وليست الكائنات دليلٌ على الله.

والحقيقة: أن القول الظاهر عند أهل السنة والجماعة: أن الكائنات دليلٌ على الواحد الأحد سبحانه!

والنحلُ قُل للنحل: يا طير البوادي ما الذي بالشُّهد قد حلاَّكا

وإذا ترى الثعبان ينفث سُمَّهُ فاسأله من ذا بالسموم حشاكا

واسأله: كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو تحيا وهذا السم يملأ فاكا

فالحمد لله الكريم لذاتهِ حمداً وليس لواحدٍ إلاكا

فكل الخليقة تدل على الواحد الأحد.

وهذا كتاب الكون، يقول إيليا أبو ماضي -قبحه الله- وقد أجاد في هذا البيت:

وكتابي الفضاء أقرأ فيه سوراً ما قرأتها في كتابِ

ونحن نأخذها ونقول: نعم.

لأن الأمي الذي كان في الغار قيل له: {اقْرَأْ} [العلق:١] فأين شيخه؟ وقيل: {اقْرَأْ} [العلق:١] فأين أستاذه؟ وقيل له {اقْرَأْ} [العلق:١] فأين سبورته وطباشيره؟ يقرأ أين؟ قيل له: اقرأ في الكون، في السماء المرتفعة، والنجوم الساطعة، والشمس اللامعة، واقرأ في الشجرة، وفي التل، والهضبة، فقرأ:

اقرأ فأنت أبو الأيتام رائده من كل جيلك كل الجيل يغترفُ

إن لم تصُغْ منك أقلامٌ معارفها فالظلم ديدنها والزور والتلفُ

فقرأ وأقرأ الأمة، فأصبحت قارئة عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>