للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التعالي عن الصغائر والترفع عن الرذائل]

اسمع إلى الوحي يُخاطبك بأن ترتفع: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} [آل عمران:١٣٩] لا يصيبنك إحباط ولا يأس ولا فشل، وأنت تسجد لله، ومعك القرآن، وأنت تُهدَى إلى تكبيرة الإحرام، ومعك إخوة صالحون، ومعك دعاة وعلماء قال عليه الصلاة والسلام: {إن الله يحب معالي الأمور} واسمع إلى علي بن عبد العزيز الجرجاني الفقيه المُحدِّث القاضي الواعظ، وهو يُخبرك بعصارة حياته، ترك الناس، أغلق على نفسه في البيت، يدعو في المسجد ويعود، لا يخالط كبيراً ولا صغيراً، ويقول:

أنست بوحدتي ولزمت بيتي فدام لي الهنا ونما سرور

وأدبني الزمان فلا أبالي هُجِرت فلا أُزار ولا أزور

فلست بسائلٍ ما عشت يوماً أسار الجيش؟ أم ركب الأمير؟

هذا الذي يقول:

يقولون لي فيك انقباض وإنما رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما

إلى أن يقول:

ولو أن أهل العلم صانوه صانهم ولو عظموه في النفوس لعظما

ولكن أهانوه فهانوا ودنسوا مُحياه بالأطماع حتى تجهما

ممن سمو البخاري صاحب الصحيح رحمه الله، يقول: " رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام، وكأنه يرفع خطوة، وأضع قدمي مكان قدمه، فسألت أهل العلم وأنا شاب، فقالوا: أنت تحفظ سنة الرسول عليه الصلاة والسلام ".

ويقول: " ما اغتبت مسلماً منذ احتلمت! "

منذ أن احتلم ما اغتاب مسلماً، فقل لي بالله، يا من أكثر من الغيبة والوشاية والنميمة واستحلال الأعراض: كيف نُقارن بينك وبين البخاري؟!

وقال الشافعي صاحب الهمة العالية: " ما كذبت منذ علمت أن الكذب يضر أهله ".

ما كذب في هزلٍ ولا جدٍ ولا ليلٍ ولا نهار.

ويقول: " ما حلفتُ بالله صادقاً ولا كاذباً ".

وقد كان على كسرة الخبز، وامتلأ بيته باللخاف والجريد والصحف حتى كاد هو وأمه يخرجون خارج البيت وهو يطلب العلم، يقول وقد عُرضت له القناطير من الذهب من هارون الرشيد.

أمطري لؤلؤاً سماء سرنديب وفيضي آبار تكرور تبرا

أنا إن عشت لست أعدم خبزاً وإذا مت لست أعدم قبرا

همتي همة الملوك ونفسي نفس حر ترى المذلة كفرا

ما هو المجد إذاً؟

قال أهل العلم: المجد والسمو في ثلاث:

١/ أن تمرغ وجهك ساجداً لله.

٢/ وأن تأكل الحلال.

٣/ وأن تكون سليم الصدر، ثم لا يضرك ما فاتك من الدنيا، من دورها، وقصورها، وذهبها، وفضتها.

جلس مُحدِّث من المحدثين الكبار -ذكره الذهبي وغيره- فرأى ألف محبرة، وألف عمامة أمامه، كلهم يطلبون الحديث، مع كل عمامة قلم مع كل قلم محبرة مع كل محبرة كتاب مع كل كتاب دفتر؛ فدمعت عيناه، وقال: هذا والله الملك، لا ملك المأمون والأمين، ثم أنشد فرحاً:

إني إذا احتوشتني ألف محبرة يروون حدثني طوراً وأخبرني

ناديت في الجمع والأقلام مشرعة تلك المكارم لا قعبان من لبن

<<  <  ج:
ص:  >  >>