للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الأكل مما يلي الشخص]

قوله: (وكل مما يليك): سوف يمر معنا إن شاء الله، أما هذا الحديث فإنه من آداب الطعام، وهناك مسائل لا بد أن تفهم المسألة الأولى: التسمية على الطعام، وقد مر معنا شيء من عمومياتها، لكن عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها، قالت: يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أكل أحدكم فليقل باسم الله في أول طعامه، فإذا نسي في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره} روى هذا الحديث أبو داود والترمذي وهو حديث صحيح، فإذا نسي العبد في أول الطعام، فليقل في وسطه أو في آخره: بسم الله أوله وآخره.

وشكا وحشي قاتل حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عند أبي داود وابن ماجة وأحمد شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: {يا رسول الله! إنا نأكل ولا نشبع، قال عليه الصلاة والسلام: لعلكم تفترقون، اجتمعوا واذكروا اسم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يبارك لكم فيه}.

وحشي قتل حمزة بن أبي طالب رضي الله عن حمزة وأرضاه، عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة، وهو من أعظم رجالات الإسلام، وهو من المؤثرين في تاريخ الجهاد في سيرة محمد عليه الصلاة والسلام.

وما تأثر عليه الصلاة والسلام من قتلى أحد، ولا من إراقة دم أحد من أصحابه ما تأثر من قتل حمزة، حتى وقف عليه وقال: {لأمثلن منهم بسبعين} ووحشي هذا قيل: إنه لما أسلم، وقتل مسيلمة، قال: قتلت أعظم المسلمين، وقتلت أعظم الكافرين، أو كما قال.

لكن ورد في السيرة -تعرض القصة للاعتبار- قال أحد الناس: دخلت عليه فإذا هو شيخ كبير - وحشي هذا- قد سقط حاجباه على عينيه وهو يتعاطى الخمر، فرفع أمره إلى عمر رضي الله عنه، فقال عمر: [[والله الذي لا إله إلا هو إن الله لا يفلت قاتل حمزة]] ثم جلده، فأمره عند الله عز وجل، لكن هذا ورد للذكرى وللاعتبار، ولا يغتر المسلم، وليسأل الله عز وجل حسن الخاتمة، فإن الأمور بالخواتيم، ومن أحسن الله خاتمته ثبته وهداه سواء السبيل.

والمسألة الثانية: كما مر معنا الأكل باليمين، ودليلها: {لا يأكل أحدٌ منكم بشماله، ولا يشرب بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله} روى هذا الحديث مسلم ومالك في الموطأ وأبو داود في السنن والترمذي في السنن، وإذا روى البخاري حديثاً أو مسلم فحسبك به، فقد تجاوز الحديث القنطرة.

خذ ما رأيت ودع شيئاً سمعت به في طلعة البدر ما يغنيك عن زحل

إذا سمعت أنه رواه البخاري ومسلم فليطمئن قلبك وليهدأ بالك، فكأنك عاينت الأمر معاينة.

وعن سلمة بن الأكوع عند مسلم، وهو يذكر الحديث عن المتكبرين الذين يأكلون بالشمال، أن رجلاً وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ يأكل بشماله، فقال عليه الصلاة والسلام: {كل بيمينك، قال: لا أستطيع، قال عليه الصلاة والسلام -يدعو عليه-: لا استطعت، ما منعك إلا الكبر، فما رفعها إلى فمه} يبست وانتهت وجفت وشلت فما رفعها أبداً؛ لأنه خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:٦٣].

والمسألة الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم: {كل مما يليك} عن عكراش بن ذؤيب قال: {وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقدمت لنا صحفة كثيرة الوذر أي: عليها دسم وشحم وسمن كثير- فأخذت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي صلى الله عليه وسلم: يا عكراش! كل مما يليك، فبدأت آكل مما يليني، قال: فقدمت له صحفة صلى الله عليه وسلم فيها تمر، فبدأت آكل مما يليني، فقال صلى الله عليه وسلم: خذ يا عكراش، إذا كان الطعام طعاماً واحداً؛ فكل مما يليك، وإذا كان أنواعاً فتخير} فقال أهل العلم: إذا كان الطعام متبايناً، كأن يكون تمراً مختلف الأحجام، بعضه أكبر من بعض، ويمكن صاحب البيت أنه جعل الكبار في جهته ومما يليه، وجعل عندك الحشف؛ فإنه يحق لك حقاً شرعياً أن تطيش يدك في الصحفة؛ فتأخذ مما هب ودب، فلا تبقى يدك في الطرف الذي عندك، لكن تأخذ.

هذا إذا كان التمر أنواعاً، أو كان يقدم اللحم فجعل الشحم مما يليك، وجعل اللحم مما يليه، فإنه يجوز لك أن تقتحم وتخترق الأجواء حتى تصل إلى اللحم، وهذا الحديث رواه الترمذي وضعفه؛ لأن فيه العلاء بن فضل، قال: يضعف في الحديث، لكن معانيه ظاهرة، فإذا اختلفت الأنواع، فليتميز وليختر العبد، وإذا كان أرزاً واحداً أو ثريداً واحداً، فليس له ذلك وما له إلا مما يليه، كما قال عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>