تفسير قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ)
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة:٤٥] هنا في هذه الآية الكريمة عدة مسائل:
أولاً: أن هناك إشكالاً وهو أنه كيف يكون هذا الخطاب لبني إسرائيل وهم لا يصلون؟ وقد أجاب على ذلك بعض العلماء بأنه لعلهم أن يتوبوا وغير ذلك من الأجوبة.
والسؤال الذي أثاره الرازي وغيره كيف يأمرهم الله بالصلاة وهي لم تفرض عليهم كهيئة الصلاة هذه؟ قالوا: الصلاة تشمل الذكر والخشوع والإنابة، فيمكن أن يكون لهم صلاة مختلفة الهيئة عن صلاتنا، إذاً فقال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ} [البقرة:٤٥] كيف يستعينون بالصبر ويصبرون؟
والصبر هذا من أحسن ما يوصى به المؤمن، قال الإمام أحمد: عجيب أمر الصبر تدبرته في القرآن فوجدته في أكثر من تسعين موضعاً.
سئل عمر: [[بم أدركتم هذه المنازل؟ قال: بالصبر أدركنا ما تمنينا]] والصبر لو كان رجلاً لكان جميلاً، ولو كان جبلاً لكان راسياً، ولو كان شجرة لكانت فواحة معطاة، والصَّبْر كالصِّبْر وهو دواء مر علقم يحرق، فالصبر مثله ولكنه في الأخير من أحسن ما يكون:
صابر الصبر فاستجار به الصبر فقال الصبور للصبر صبراً
ومعنى هذا الكلام، أي: الرجل العظيم صابر الصبر، وتوافق هو والصبر في منزلة حتى يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:٢٠٠] قالوا: اصبروا على الأعمال، ثم طاولوا في الصبر ومدوا أنفاسكم واثبتوا على مكان الصبر، واتقوا الله لعلكم تفلحون.
فقال الشاعر: هذا الرجل فيه من الصبر أنه صابر الصبر (فاستجار به الصبر) أي حتى قال الصبر: أعوذ بالله منك، فاستعاذ الصبر بالله من هذا الرجل من شدته وقوته، (فقال الصبور) أي الرجل للصبر: صبراً.
وبات أبو وردي المحدث الشاعر الكبير يقول:
تسترت من دهري بظل جناحه فعيني ترى دهري وليس يراني
فلو تسأل الأيام عني ما درت وأين مكاني ما عرفن مكاني
ثم يقول في قصيدة أخرى:
وبات يريني الدهر كيف اقتداره وبت أريه الصبر كيف يكون
قيل: كيف يذاق الصبر؟
قالوا: "من لم يعرف الصبر ما ذاقه".