أنا شاب أصلي وأصوم والحمد الله، ولكن أنا عاصٍ لوالدي، فأرجو أن ترشدني إلى طاعة والدي؟
الجواب
عقوق الوالدين أكثر ما انتشر بين الشباب، نسأل الله العافية والسلامة، والله عز وجل قرن حق الوالدين في كتابه بحقه، فقال:{وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}[الإسراء:٢٣].
ويبلغ بالبر عند بعض الأبناء أن يفتح الله عليه، حتى يكون أسوة وقدوة للشباب: يذكر عليه الصلاة السلام -كما في الصحيحين - {بينما ثلاثة نفر من بني إسرائيل خرجوا في الصحراء، فاشتد عليهم الكرب، ونزلت عليهم السماء بالمطر، فدخلوا في غار، فانطبقت عليهم الصخرة في فم الغار -صخرة لا يدفعها ولا يرفعها إلا الله، فلما أصبحوا في هذا الغار لا طعام ولا شراب، ولا أنيس، ولا رفيق ولا صاحب- قال أحدهم: إنه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم، قال أولهم: اللهم إنك تعلم أنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، وإنه قد نأى بي طلب الشجر يوماً، فلم أرح عليهما حتى ناما -أي سار يرعى الغنم وتأخر حتى نام أبوه وأمه، وأتى بالغبوق، وهو اللبن في المساء ليعشيهم، فأتى به في الإناء فوجدهما نائمين وعنده أبناؤه -فلذة كبده وشجا روحه- يتضاغون عند أقدامه من الجوع يريدون أن يشربوا- قال: فما سقيت صبيتي وهم يتضاغون عند قدمي، وما أيقظت والدي خشية أن أنغص عليهما نومهما، فمكثت والإناء بيدي حتى برق الفجر، فاستيقظا وشربا غبوقهما، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك، فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت عنهم الصخرة} إلى آخر القصة وهي موجودة في كتب الحديث.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالساً مع أصحابه فأتاه رجل فقال: يا رسول الله! أشكو إليك عجيبة من العجائب، قال: ما هي؟
قال: ابني؛ ربيته، سهرت لينام، وجعت ليشبع، وظمئت ليروى، فلما كبر تغمط حقي وظلمني ولوى يدي، فدمعت عيناه صلى الله عليه وسلم، فقال: هل قلت في ذلك شعراً؟ لأن العرب كانت تتنفس بالأشعار من أحزانها، قال: نعم، قال: ماذا قلت؟ قال قلت فيه:
غدوتك مولوداً وعلتك يافعاً تعل بما أجري عليك وتنهلُ
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا شاكياً أتململُ
كأني أنا الملدوغ دونك بالذي لدغت به دوني فعيناي تهملُ
فدعاه صلى الله عليه وسلم، وأخذ بتلابيب ثوبه، وقال:{أنت ومالك لأبيك} عقوق الوالدين قضية تحتاج إلى كلام طويل ليس هذا وقته.