الرسول عليهم الصلاة والسلام مدح أناساً في وجوههم؛ أتاه أشج بن عبد القيس مع وفد الأحساء الذين قدموا من البحرين، قال صلى الله عليه وسلم وقد رآه حليماً وقوراً:{إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة، قال: أشيء جبلني الله عليه أم تخلقت به؟ قال: بل جبلك الله عليه، قال: الحمد لله الذي جبلني على خلق يحبه الله ورسوله} والحديث في صحيح مسلم.
فالرسول صلى الله عليه وسلم مدحه بما فيه، والرسول صلى الله عليه وسلم أثنى على كثير من الصحابة، وهذا أمر تربوي.
يبقى أبو بكر في حياته يكدح ويكدح لوجه الله، لكن لا يلقى ولو بسمة، لا يلقى ولو ثناء، لا يلقى ولو وساماً من الإطراء أمام الناس، يقول عليه الصلاة والسلام وهو على المنبر:{لو كنت متخذاً خليلاً من أهل الأرض لاتخذت أبا بكر خليلاً ولكن صاحبكم خليل الرحمن} ويقول: {ما واساني أحد بنفسه وماله كما فعل أبو بكر} يقول: {سدوا كل خوخة -وهي الباب المشرف أو النافذة- إلا خوخة أبي بكر} وأثنى عليه، يقول:{أما أنتم بتاركي لي صاحبي} تكلم في عرض أبي بكر في مجلس، فرفع الأمر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فأنكره.
وقال في عمر: كما في صحيح البخاري {عرض عليَّ الناس وعليهم قمص منها ما يبلغ الثديين ومنها ما دون ذلك، وعرض علي عمر بن الخطاب، وعليه قميص يجره، قالوا: ما أولت ذلك يا رسول الله؟ قال الدين} وقال في البخاري: {أريت في المنام كأني أشرب من لبن حتى رأيت الري يدخل في أظفاري، فأعطيت فضلتي عمر بن الخطاب فشربها، قالوا: ما أولت ذلك يارسول الله؟ قال: العلم} فهو يثني عليه لأنه لا بد من هذه الأمور في المجتمع، ولا بد أن يعرف للمحق حقه، ولا بد أن يبكت الفاجر بفجوره لينتهي.
أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:{ويلك! قطعت عنق صاحبك} ومعنى قطع عنقه: أي أنه فتنه فلا يفلح بعدها، واغتر وأعجب بنفسه، وقيل معناها: قطع عنقه، أنه قطعه من مواصلة هذا الشيء، لأن بعض الناس يحبط بالمدح إذا أكثر عليه، وبعض الناس إذا قبَّل رأسه ظن أنه بلغ منزلة الولاية ووصل المطلوب.
ألا بلغ الله الحمى من يريده وبلغ أكناف الحمى من يريدها
فالناس لهم مطالب ومقاصد، وأعظمهم مطلوباً هو من يرضي الله عز وجل.
ابن تيمية الجهبذ، العلامة مجدد ألف سنة، دخل على ابن قطلوبغا السلطان، فقال له: يـ ابن تيمية! يزعم الناس أنك تريد ملكنا، فضحك ابن تيمية، وقال: ملكك؟! قال: يقولون ذلك، قال: والله ما ملكك وملك آبائك وأجدادك يساوي عندي فلساً.
ابن تيمية يريد جنة عرضها السموات والأرض، يريد رضا الله، ولما وضع في القلعة وأغلق الباب عليه، تبسم وتلا:{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ}[الحديد:١٣].