[مقامات النبي صلى الله عليه وسلم]
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً.
اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثلما نقول، لك الحمد بالإيمان، ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بالقرآن، عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك.
في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظَمَتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
والصلاة والسلام على من بعثه ربُّه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلَّغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد حتى أتاه اليقين، أنار الله به أفكار البشرية، وهدى به الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية.
رفع رءوسنا وكانت مخفوضة، وشرح صدورنا وكانت ضيقة، وأسمع آذاننا وكانت صُمَّاً، وفتح عيوننا وكانت عُمْياً.
إن البرية يوم مبعث أحمدٍ نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة جَبَتِ الكنوزَ فكسرت أغلالها
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
سلام الله عليكم يوم اجتمعت قلوبكم على لا إله إلا الله، وتآخت أرواحكم على ضوء لا إله إلا الله، واتحدت مسيرتكم تحت ظل لا إله إلا الله.
إن أشرف المقامات -أيها الإخوة الأبرار! - هو مقام العبودية لله، أن تكون عبداً لله هذا هو شرفك في الدنيا والآخرة، ولذلك ذكر الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى رسوله صلى الله عليه وسلم في أشرف المواطن بأشرف الأوسمة والألقاب والصفات، فسماه ووصفه بالعبد في الإسراء والمعراج فقال سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:١] ووسمه بالعبودية في مقام التنزيل، فقال: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [الفرقان:١] ووسمه في مقام الدعوة والتبليغ والتبشير والإنذار فقال: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} [الجن:١٩] فشرفك في الحياة أن تكون عبداً لله؛ لتنتسب إلى الله.
ومما زادني شرفاً وفخراً وكِدتُ بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرَّت أحمد لي نبيا
أن تكون داخلاً مع عباد الرحمن تحت هذه الياء - ياء النداء -:
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
فالقوة كل القوة في العبودية لله، والعزة كل العزة في العبوديته لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، إنه السند والركن سُبحَانَهُ وَتَعَالى والمرتجى، وهو القوة التي لا تُغلب ولا تُهزم.
فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركان
روى ابن كثير عن طاوس بن كيسان - العابد العالم الكبير الزاهد النحرير - قال: [[دخلت الحرم فصليت ركعتين عند المقام فلما سلمتُ إذا بي أسمع جَلَبَة ورائي فالتفت فإذا بـ الحجاج وحرسه يصلون عند المقام، فلما سلَّم الحجاج من ركعتيه، جاء أعرابي من اليمن فمرَّ مِن قِبَل الحجاج فخطفَ ثوبُه حَرْبةً عند الحجاج وأوقعها بجانبه، فأخذ الحجاج بثوب هذا اليمني الأعرابي وسأله: ممن أنت؟ قال: أنا من أهل اليمن، قال: كيف أخي محمد؟ - ومحمد أخو الحجاج بن يوسف، وكان والياً على اليمن، وكان ظالماً غاشماً - قال: تركتُه سميناً بطيناً، قال: ليس عن صحته أسألُك، إنما أسألك عن عدله، قال: تركته غشوماً ظلوماًَ، قال: أما تعرف أني أنا الحجاج بن يوسف؟ قال الأعرابي: أتظن أنه بانتسابه إليك أعز مني بانتسابي إلى الله؟! قال طاوس فما بقِيَتْ شعرةٌ في رأسي إلا قامت]] إنها عبودية الانتساب إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وقوة المؤمن يوم ألا يعرف ولا يجد ولياً ولا سنداً إلا الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.