[مدة خلق السماوات والأرض]
يقول الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:٢٩] ربما يقول أحدكم: هذه تدل على استواء الله على العرش، وهذه الآية لا تدل على ذلك، وهذه الآية لا تدل على ذلك قصداً، وغيرها يدل على استواء الله على العرش أكثر وأكثر، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فهذه هي الآية التي تدل على ذلك وغيرها من الآيات، أما هذه الآية: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} [البقرة:٢٩] قالوا: قصد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى؛ لأنه عدى ذلك بإلى، فقالوا: استوى، أي: قصد إلى السماء سُبحَانَهُ وَتَعَالى، وهنا سؤالٌ يطرح بين طلبة العلم: أخلقت الأرض أولاً أم السماء؟
وهنا يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة:٢٩] ففي هذه الآية كأن الأرض كانت قبل خلق السماء، لكن يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت:١١] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:٣٠] لأنه ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا * وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا * وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا} [النازعات:٢٧ - ٣٠] فكأن في هذه الآية أن الأرض خلقت بعد السماء، وفي آية البقرة أن السماء خلقت بعد الأرض، فما هو الجواب لهذا التساؤل؟
وقد أجاب عنه حبر الأمة وترجمان القرآن ابن عباس رضي الله عنهما، فقال: إن الله خلق الأرض ثم استوى إلى السماء، ثم دحا الأرض سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
وأخذت الأرض من الخلق مدة يومين، والسماء أربعة أيام، فكلها ستة أيام!! وهذا يدل في الجمع على أن أناساً يجيدون الحساب، وعندهم فهم في الجمع والطرح، (٢+٤=٦) والحمد لله رب العالمين {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الجمعة:٤].
وقف أعرابي -فيه خبل- على المنبر يخطب بالناس وليس عنده علم، ثم استغل فرصة الخروج على المنبر، فقال: يا أيها الناس: عليكم بالسكينة، وعليكم بالمهل، فإن الله خلق السماوات والأرض في ستة أشهر -وهذه ذكرها ابن الجوزي - فقالوا: اتق الله عز وجل، في ستة أيام! قال: والله لقد تقاليت ستة أشهر وأردت أن أقول ست سنوات.
فالمقصود أنها ستة أيام، وعند مسلم من حديث أبي هريرة، قال: [[خلق الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى التربة يوم السبت]] ثم عد الأيام حتى وصل إلى يوم الجمعة، فأصبحت سبعة أيام، والله يقول: ستة أيام، ولكن عند مسلم في الصحيح سبعة أيام! أجاب أبو العباس ابن تيمية في المجلد الثامن عشر، قال: هذا وهم، وهذا مخالفٌ للقرآن، وهو من كلام كعب الأحبار، وليس من كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، وهذا الحديث بعينه من الأحاديث التي انتقدت في صحيح مسلم، فإن الله عز وجل ذكر أنه خلقها في ستة أيام، فكيف تكون في سبعة؟!
وأجاب بعض الناس من العصريين، قالوا: لا.
الدحو كان في يوم سابع فلا يحسب من الستة، لكن هذا تكلف، والحديث فيه وهم، ولعله من كلام كعب الأحبار.
قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ} [البقرة:٢٩] وهنا لم يذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى الأرض، وقد ذكر سُبحَانَهُ وَتَعَالى في القرآن: {وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق:١٢] أي: سبع أراضين مثلهن، ومما اكتشف في هذا العلم -كما سمعنا من كثيرٍ من الثقات الذين اعتنوا بعلم الهيئة والجيولوجيا- أن الأرض سبع طبقات، طبقةٌ على طبقة، كل طبقة لها لونٌ آخر، ولها مزاجٌ آخر، ولها تكيفٌ، ولها تضاريسٌ تختلف عن الأخرى فسبحان الخالق!
فكلما انتهت الطبقة أتت طبقة فتنتهي إلى سبع طبقات، أما السماوات فإنهن سبعٌ مرتفعة، جرم السماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء والسماء خمسمائة عام!!
يقول أمية بن أبي الصلت الجاهلي، وهو يتحدث عن موسى وفرعون -وهو لم يسلم- يقول عنه صلى الله عليه وسلم: {أسلم شعره، وكفر قلبه} إن الله عز وجل -وهذا في قصيدة- أرسل موسى عليه السلام إلى فرعون، فقال:
فقولا له هل أنت سويت هذه بلا عمدٍ حتى استقرت كما هي
وبعض أهل العلم يقولون: سماءٌ من حديد، وسماءٌ من نحاس، وسماءٌ من فضة، لكن ما علمت على هذا دليلاً، من المعصوم عليه الصلاة والسلام، لكنه عجبٌ من العجب! فهذه السماء الدنيا زينها الله بالمصابيح والنجوم والشمس والقمر، فهي كواكب تدور فيها.