{وأتى الرجل الثاني وقال: اللهم إنك كنت تعلم أنه كان لي ابنة عم كنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، فراودتها عن نفسها فأبت -استعصمت بحبل الله، امرأة تقية صَيِّنَة دَيِّنَة- قال: فألمت بها سنة قحط وفقر -والفقر والجهل قريبان من المعصية- قال: فعرضت عليها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها، فلما فَعَلَتْ واقْتَرَبْتُ منها قالت لي: يا عبد الله، اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، قال: فقمت عنها وأنا أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء مرضاتك ففرِّج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً لكن لا يستطيعون الخروج منه}:
وهذه هي العفة، وهذه هي أسوة يوسف عليه السلام يوم ابتلاه الله فرفع منزلته بالعفة والأمانة، عرضت له الملكة الجميلة نفسها في القصر وهو شاب أعزب من أجمل الناس، فتذكر لقاء الله، وموعوده، وعذابه الذي:{لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ}[الفجر:٢٥ - ٢٦] فقال: {مَعَاذَ اللَّهِ}[يوسف:٢٣] فمن يقول منا -يا شباب الإسلام- اليوم معاذ الله؟! من إذا نظر إلى المرأة الجميلة في السوق غض طرفه وقال: معاذ الله؟! من إذا سمع نغمة اتصال من امرأة أجنبية قال: معاذ الله؟! من إذا حدثه الشيطان وسوَّل له قال: معاذ الله؟! من إذا عرض عليه الفيلم الماجن الذي ضيع عقول الشباب ودينهم ومروءتهم قال: معاذ الله؟! من إذا رأى المجلة الخليعة قال: معاذ الله؟! من إذا سمع الأغنية الماجنة قال:{مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ}[يوسف:٢٣]؟!
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل طرفةً ولا أن ما يخفى عليه يغيب
لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب
فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوب
إي والله! من لم يحفظ الله في الرخاء لا يحفظه في الشدة.