[موقف قريش من قصة الإسراء]
وبعد أن وصل صلى الله عليه وسلم السماء السابعة وتجاوزها إلى سدرة المنتهى وكلمه الله، وفرض عليه الصلوات الخمس، عاد إلى الدنيا في تلك الليلة، وأصبح في الصباح، ونزل إلى الحرم، وجمع الكفار وأخبرهم أنه أسري به تلك الليلة، كان معه في أول القصة أبو جهل قال: أصدق أسري بك؟ قال: نعم، قال: إلى أين؟ قال: إلى بيت المقدس، ثم عرج بي إلى السماء السابعة، فضحك أبو جهل وقال: اصبر حتى أجمع كفار قريش، أي: يسمعوا هذا الخبر، وهو لا يريد أن يفيدهم، لكنه يريد أن يستهزئ ويضحك، فجاءوا ورئيسهم آنذاك الوليد بن المغيرة وقد يكسو الكعبة سنة، وتكسوها قريش سنة.
فلما جلسوا تكلم صلى الله عليه وسلم، فقال الوليد بن المغيرة: يا محمد! إننا نصل بيت المقدس في شهر، ونعود منه في شهر، فكيف وصلت أنت في جزءٍ من ليلة إلى بيت المقدس ثم إلى السماء السابعة ثم عدت في نفس الليلة؟!! فإن كان لك من العلامات فأخبرنا بها، فقال صلى الله عليه وسلم: وماذا تريدون من علامات؟ قالوا: صف لنا بيت المقدس نحن نعرف أبوابه ونوافذه وأسياجه ومداخله ومخارجه والرسول عليه الصلاة والسلام ما تسنى له أن يقف على عدد أبوابه وأسياجه ومداخله ومخارجه، فأخذه من الكرب ما الله به عليم حتى تغشاه العرق، ولما وقف نكس صلى الله عليه وسلم رأسه ثم رفع وإذا بصورة بيت المقدس أمامه، فأخذ يصفه باباً باباً ونافذة نافذة ومخرجاً مخرجاً ومدخلاً مدخلاً {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة:٢٥٨] ورفع الوليد بن المغيرة قشة من الأرض، وقال: والله ما زاد على ما وصفت لنا كهذه، فآمن بعضهم وكفر بعضهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: وهل أزيدكم؟ وسوف تقدم عليكم غداً قافلتكم في أولها الجمل الأورق عليه غرارتان، أي: كيسان، وسوف يقدم رعاتكم الذين رعوا في وادي كذا وكذا، فمررت بهم أنا وجبريل وقد كسرت رجل ناقة من نوقهم، قالوا: ننتظر، وفي الصباح صعدوا على شرفات بيوتهم وانتظروا وإذا بالقافلة داخلة وفي أولها الجمل الأورق عليه غرارتان، وأتى الرعاة فقالوا: أحدث عليكم شيء؟ قالوا: ما حدث شيء إلا أن ناقة فلان كسر رجلها، وصدق الله إذ يقول: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ} [الطور:١٥].
وعاد صلى الله عليه وسلم وأخبرهم بهذا فكفروا وعتوا عن أمر ربهم: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ * لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} [الحجر:١٤ - ١٥].
قال عليه الصلاة والسلام: {قال جبريل لخازن السماء: افتح.
قال: من هذا؟ قال: هذا جبريل قال: هل معك أحد؟ قال: نعم معي محمد صلى الله عليه وسلم، فقالوا: أُرسل إليه؟ قال جبريل: نعم أرسل إليه} فالناس والملائكة والجن والإنس يتحرون رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فوصل عليه الصلاة والسلام قال: {وإذا أنا برجلٍ في السماء الأولى وهو آدم عليه السلام، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل يساره بكى، فقلت: من هذا يا جبريل؟ قال: هذا آدم، إذا نظر عن يمينه رأى هؤلاء الخلق إلى أهل الجنة فضحك استئناساً وفرحاً وسرورا، وإذا نظر إلى ميسرته من أهل النار بكى، فسلَّم عليه صلى الله عليه وسلم وعرَّف به جبريل، فقال: مرحباً بالنبي الصالح والابن الصالح} ثم عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى الثانية والثالثة والرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، حيث وجد عليه الصلاة والسلام ابنا الخالة يحيى وعيسى قيل: في الثانية أو في الثالثة، فسلم عليهم صلى الله عليه وسلم وحيوا مقدمه وباركوا رسالته، ووجد إدريس في الرابعة {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} [مريم:٥٧] فسلَّم عليه صلى الله عليه وسلم، ووجد هارون في الخامسة فسلَّم عليه ورحب به، وأما في السادسة فوجد موسى الكليم فلما سلَّم عليه صلى الله عليه وسلم قال صلى الله عليه وسلم: {من هذا يا أخي يا جبريل؟ قال: هذا موسى عليه السلام} والرسول صلى الله عليه وسلم يصف الأنبياء، رآه لحظات لكن أخذ أوصافه- قال: {أما موسى فكأنه من رجال أزدشنوءة} وهي من قبائل جبال الجنوب من جبل الطائف إلى هذا الجبل جبل آسيا، يعني: في السمرة وفي الجعد وفي القوة؛ لأنه وصف بأنه القوي الأمين وأعطاه الله الشجاعة عليه السلام، فما صلح لبني إسرائيل ولا دوخ رءوسهم، ولا أذهب الوسوسة من رءوسهم إلا هو، ولذلك إذا غاب عنهم أو ذهب عبدوا العجل، أو لخبطوا في العبادة أو قالوا أو تكلموا، فإذا دخل عليهم خافوا، وهو لا يعرف عليه السلام المداهنة معهم، بل كان قوياً حازماً معهم فكانوا يخافون منه، وهو الذي قتل نفساً ونجاه الله من الغم وتاب عليه، وهو الذي رفع الصخرة وتعرفون قوة الصخرة، وهو الذي شهد أكبر صراع في التاريخ مع فرعون، وانتصر عليه بإذن الله.
ثم واصل صلى الله عليه وسلم فلما عرج به إلى السادسة بكى موسى فقال صلى الله عليه وسلم لجبريل: {ما لموسى يبكي؟ قال: يقول: نبيٌ بعث من بعدي يدخل الجنة من قومه أكثر مما يدخل الجنة من أمته} يقول ابن تيمية في فتاويه: هذا من التنافس المحمود، فإن موسى لم يبكِ حسداً، ولا حقداً، وإنما بكى تنافساً يريد أن تكون لأمته من المرتبة كما لأمة محمد عليه الصلاة والسلام.
بشرى لنا معشر الإسلام إن لنا من العناية ركناً غير منهدمِ
لما دعا الله داعينا لطاعته بأكرم الرسل كنا أكرم الأممِ
ثم عرج بالرسول صلى الله عليه وسلم إلى السابعة، وهناك وجد أفضل الأنبياء بعده صلى الله عليه وسلم وهو إبراهيم فسلم عليه، وقال: {مرحباً بالنبي الصالح، والابن الصالح} وإبراهيم أبو الأنبياء والرسول صلى الله عليه وسلم من أبنائه.
وإذا هو مسند ظهره إلى البيت المعمور، وهذا البيت يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه، أي لا يأتي دورهم مرة أخرى.