[علاجه للعقول]
وأما علاجه صلى الله عليه وسلم للعقول، فيكفي أنه عالج عقول الأمة بالقرآن والإيمان، ولكن أقصد به علاجه للجنون، فقد ذكر أبو نعيم عن الوازع قال: {انطلقت بابن لي مجنون كان يفسد عليهم الطعام ويفسد عليهم المنام -سلب عقله- فأتيت به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: ما هذا؟ قلت: ابن لي جن يا رسول الله! قال: قربه مني، قال: فقربته منه، فوضع يده على صدره ثم دعا فتقيأ ابني فخرج من بطنه مثل الجرو الأسود، فصح ابني، فكان من أعقل قومه} رد الله عقل ابنه بدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم وببركة دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم.
وذكر البخاري ومسلم عن جابر قال: {أغمي عليّ -أغمي عليه وفقد وعيه- فزاره صلى الله عليه وسلم قال: عليّ بماء، فتوضأ صلى الله عليه وسلم وصب بقية الماء على جابر فاستيقظ، ثم وضع صلى الله عليه وسلم يده على صدر جابر، قال: فما زلت أجد بردها إلى الآن}.
وفي بعض الألفاظ: أن سعد بن أبي وقاص قال: زارني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: {اللهم اشف سعداً، اللهم اشف سعداً، قال: والذي نفسي بيده إني أجد برد يد الرسول عليه الصلاة والسلام بعد ثلاثين سنة، كأنها الآن}.
ويقول أعرابي: {حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأيته يخطب، فأدخلت يدي بين نعله وقدمه} انظر كيف يجدون قيمة وثمن وعظمة محمد صلى الله عليه وسلم ومنزلته، كان شوق الواحد منهم أن يرى فقط الرسول عليه الصلاة والسلام، أو يمس جلده جلده أو جسمه جسمه، أو ينعم ولو بآثار البصاق، كان إذا بصق يميناً أو يساراً أو أمامه أو خلفه، تناول الواحد منهم تفاله وبصاقه، بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم! فيمسحون وجوههم، فيجدون من السرور والنعيم والخير العميم ما الله به عليم، حلق رأسه، فكادوا يقتتلون على شعر رأسه، منهم من حصل على شعرة ونصف شعرة، حتى إن أئمة الإسلام وأئمة التابعين بكوا وقالوا: والهف نفساه على شعرة من شعراته عليه الصلاة والسلام.
هذا الأعرابي أتى وكان همه فقط أن يمس القدم الشريفة، قال: {فكان يخطب الناس بـ منى، فأدخلت كفي بين النعل وبين القدم، فوجدت بردها، فوضعتها على وجهي والله إني لأجد بردها إلى الآن} بعد عشرات السنوات.
مبارك أينما كان، كلامه لفظه ذكره صلاته ملابسه كل شيء فيه مبارك، يلبس القميص وأمنية الإنسان أن يلبس قميصه.
المتوكل الخليفة العباسي أتى بعد المعتصم، لبس برد النبي صلى الله عليه وسلم بعد مئات السنوات قال للشعراء: من يصف لي البرد هذا، فإن أجاد ملأت فمه دراً، قالوا: فأنظرنا ليلة، ليس لهم إلا بيتان فقط لا يزيد الواحد على بيتين، فذهبوا جميعاً وأتوا، منهم من يمشي على بطنه، ومنهم من يمشي على رجلين، ومنهم من يمشي على أربع ومنهم من يطير، فجاء أحدهم فقال:
ولو أن برد المصطفى إذ لبسته يظن لظن البرد أنك صاحبه
وقال وقد أوتيته ولبسته نعم هذه أعطافه ومناكبه
قال: املئوا فمه دراً.
مر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يلبس قميصاً، وإذا لبس صلى الله عليه وسلم القميص عرف الصحابة من الفقر وكثرة الحاجة أنه صلى الله عليه وسلم لبس قميصاً، قال رجل: والله لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم القميص، قالوا: لا تسأله -لأنه لا يعرف أن يقول: لا، لن يمنعك وهو يلبسه محتاج إليه يصلي به الجمعة ويستقبل الوفود- قال: والله لأسألنه القميص فعرض له واقفاً صلى الله عليه وسلم، قال: {يا رسول الله! ألبسني قميصك الذي عليك، قال: أنظرني قليلاً، فدخل بيته ولبس الرداء والإزار ثم أعطاه قميصه، قال الصحابة: بئس ما صنعت، لبسه صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليه وتسأله وهو لا يرد المسألة}.
ما قال "لا" قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم
يغضي حياءً ويغضى من مهابته فما يكلم إلا حين يبتسم
قال: إني أرجو -يعتذر له- أن يكون كفني هذا القميص، فكان كفنه الذي كفن فيه، وهنيئاً له أن لا مس القميص جلد المصطفى عليه الصلاة والسلام.
وقد روى أحمد والدارمي والطبراني: {أن امرأة أتت بابن لها مجنون أيضاً -يستند إلى الحديث الأول وهو شاهد- فدعا له صلى الله عليه وسلم فأصبح عاقلاً رزيناً}.