للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بيان معنى الخسارة والإيمان]

قال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:١ - ٢] الخسر هنا ليس خسارة المال -فإذا خسرت المال في صفقة عوضت في صفقة أخرى- ولا خسران الولد, فإن الله عز وجل إذا أخذ الصفي فاحتسبته من الولد والقريب عوضك عنه الجنة كما في صحيح البخاري , ولا خسارة المنصب فإن الدنيا تذهب وتأتي, لكن الخسارة خسارة الدين.

إذا أبقت الدنيا على المرء دينه فما فاته منها فليس بضائر

فكل شيء أمره سهل إلا الدين, ويمكن أن تعوض الخسارة إلا في ميثاق: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] فإنه إذا ذهب منك خسرت خسارة ما بعدها خسارة.

{إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:٢] فالكافر خاسر أبداً مهما جمع وحاز ومهما تولى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:٣] فهذا جواب القسم: {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر:٢] ثم استثنى سُبحَانَهُ وَتَعَالى منه, يقول أهل النحو: المستثنى في العادة أقل من المستثنى منه, فهل الناجون المؤمنون أقل من الكفار؟

الجواب

نعم.

فإن الله تعالى يقول: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣] وأقل الناس من شكر.

وأقل أهل الدنيا الآن المسلمون, وأقل المسلمين أهل السنة، والقليل في أهل السنة المخلصون.

فقد كانوا إذا عدوا قليلاً فقد صاروا أقل من القليل

ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦] , وقد خرج عمر رضي الله عنه وأرضاه إلى السوق فسمع رجلاً يقول: [[اللهم اجعلني من عبادك القليل, فقال عمر: ما هذا الدعاء؟ قال الأعرابي: يا أمير المؤمنين! يقول الله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣] فسألت الله أن يجعلني من هذا القليل, قال: كل الناس أفقه منك يا عمر]].

{إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا} [العصر:٢] فالإيمان برسالة محمد عليه الصلاة والسلام هو الميثاق الذي أتى به, وهو الفتح العظيم الذي نزل عليه في الغار عليه الصلاة والسلام, يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢] وهو الإيمان الذي ذهب به الصحابة بأيديهم ففتح الله لهم الدنيا, فلما ذهبنا نحن والدنيا في أيدينا ما فتحت لنا بل أغلقت أمامنا الأبواب, وسلبت ديارنا وكرامتنا وأرضنا ومجدنا وسؤددنا وأصبحنا في مؤخرة الركب:

كم صرفتنا يد كنا نصرفها وبات يملكنا شعب ملكناه

أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد تجده كالطير مقصوصاً جناحاه

أتطلبون من المختار معجزة يكفيه شعب من الأموات أحياه

<<  <  ج:
ص:  >  >>