[حكم أكل اللحوم المستوردة]
وقد كثر الكلام، وألف فيها رسائل وبحوث، وكتب فيها وبحثها علماء جهابذة في هذا العصر ونشرت في المجلات والصحف، وأما قبل هذا العصر فبحثها قليل من العلماء.
وخلاصة القول في هذه المسألة: أن اللحوم المستوردة إذا اجتمعت فيها ثلاثة شروط سواء الطازج أو المثلج أو المعلب أو أي شيء وارد مما يذبح فإنها تؤكل، لكن الأسماك لو أتت من الأمم الكافرة الوثنية فلا تذبح فهي حلال، وكذلك الجراد من أي مكان أتى فحلال، وهذه الشروط الثلاثة هي:
الشرط الأول: أن يكون هذا اللحم المذبوح من كتابي، أو من ذبائح أهل الكتاب، وأهل الكتاب هم النصارى أو الدول المسيحية؛ ودول الأطلسي هذه أكثرها مسيحية: أمريكا، بريطانيا، فرنسا، إيطاليا، ألمانيا وغيرها ولو أنهم لا يعتقدون المسيحية ولا يعرفون منها كوعهم من بوعهم، لا رؤساؤهم ولا مسئولوهم؛ لا يعرفون من المسيحية شيئاً لكن ديانتها ومنهجها تنص -حتى الحكم الفيدرالي- أن دين دولتهم هي المسيحية، فلذلك ما يأتي منها فلنا أن نأكله، أما غيرها من البلاد الشيوعية أو الوثنية فلا، مثل: الصين، والدانمرك، وروسيا، ويوغسلافيا، وألبانيا، بلغاريا، هؤلاء الذين يقولون: لا إله والحياة مادة، لحومهم لا تقبل بأي طريقة مهما ذبحت.
قال سبحانه وتعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة:٥] فأهل الكتاب -أيها الأخوة- طعامهم حلال، إسرائيل طعامهم حلال، وأقصد بها دولة إسرائيل هذه، واليهود ومن شايعهم، لحومهم حلال ولا يعترض الفلسطينيون يقولون: كيف تحلِّوا لحوم إسرائيل اليوم، أنا أقصد لحوم الذي سيذبحون لا لحوم الإسرائيليين شامير وموشي ديان فهي حرام ولو ذبحت على الطريقة الإسلامية فلحومهم حرام.
الشرط الثاني: أن تكون من اللحوم التي أحلها الله عز وجل لا من اللحوم المحرمة.
لا يأتي مسلم فيقول: ما دام أن لحم الخنزير أتى من دولة كتابية مسيحية فهو حلال، فنقول: لا، بشرط أن يكون قد أحله الله، مثل الأزواج الثلاثة: بقر أو غنم أو إبل أو ما سبق بيانه من الأرانب والدجاج وما ذكرنا قبل، فيكون عندنا مباحاً في الأصل لا عندهم هم، لأنهم يرون الخنزير مباحاً في شريعتهم وقد كذبوا على الله.
الشرط الثالث: أن تكون قد ذكيت ذكاةً شرعية، ولا يأتينا خبر أنها ذبحت لغير الله، ذكاة شرعية أي أنه: قطع المريء والودجين أي: اسال الدم فصار دمها مسفوحاً، وهذه هي الذكاة الشرعية، وذكاة الكتابي لا نشترط فيه أن يسمي فنحن نسمي ونأكل، ونشترط فيما ذكي ألا يكون بالصعق؛ لأنه قد تقتل بالصعق، وقد تقتل الذبيحة بآلات من نصفها وقد تضرب بالمسدس ثم تسقط، وإنما تكون ذبحاً وذكاةً شرعياً؛ إذا قطع فيها المريء والودجين، وأما إذا قطع بعض أعضائها حتى ماتت فلا يصح هذا، وإذا قطع شيئاً منها، وأرسلها لنا فلا تصح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: {ما قطع من البهيمة وهي حية فهو كميتته} وهو حديث صحيح.
إذاً أتاك لحم وعلمت أنه لحم غنمي أو إبل أو بقر من أهل الكتاب، وأخبرك أنه ذبح؛ فعليك أن تأكل وليس عليك أن تسأل عمن ذبحه وهل سمى أم لا؟ لكنك تسمي وتأكل، إذا تأكدت أنهم يذبحونه ذبحاً، والأصل أنهم يذبحون ذبحاً؛ لكن لو أتاك ما نشرت مجلة المجتمع عن بعض المصانع أنها تصعق الحيوانات صعقاً فهذا لا يؤكل، وهذا محرم، لأنك تبينت خلاف الأصل، أما إذا عففت نفسك عن هذا فلا تحرمه على الناس: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل:١١٦] وكثير من الناس الآن يدخل البقالات ويقول: هذا الجبن حرام وهذه القشطة حرام، وهذه حلال، من جعلك يا أبا حنيفة تحرم أو تستنبط من النصوص؟ إن مسألة أن الإنسان يحرم على الناس أو يحلل للناس، فإنه إنما يتكلم عن الله أو يوقع عن الله، ولذلك قال ابن القيم في أعلام الموقعين: الذين يوقعون عن الله هم أهل الفتيا.
فالإنسان إذا اقتنع بشيء فليبق هذا الشيء له، قال صلى الله عليه وسلم: {الحرام بين والحلال بين، وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، ومن تركها -أي: المشتبهات- فقد استبرأ لدينه وعرضه}.