[وصف الرعد بحال المنافق]
قال تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ} [البقرة:١٩] ما هو وجه وصف الرعد بما عليه حال المنافقين؟!
قالوا: لأن صوت الحق كصوت الرعد، فهم يسمعون الإنذارات والتهديد والزجر من القرآن فيقع عليهم كالرعد، ولذلك السارق أو الزاني أو الجاني أو القاتل يخاف دائماً من الإعلانات، فإذا سرق أحدهم وسمع خطيراً إعلاناً مهماً، أو سمع الناس يقولون: السلطان يبحث عن أناس من المجرمين، خاف وارتعد حتى كاد يفضح نفسه؛ ولذلك يقول المثل: (كاد المريب أن يقول: خذوني).
والقرآن فيه تصديق لهذا، وأن المنافقين يخافون من الأصوات، يقول الله تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ} [المنافقون:٤] إذا سمعوا بصائح، أو بإنذار، أو بتوعد، قالوا: أخذنا هذا اليوم وقيدنا هذا اليوم، لأنهم مريبون مشككون، ولذلك الصادق لا يخاف.
قال الإمام أحمد: الصدق كالدواء ما وضع على جرح إلا برئ.
وقيل له: بماذا نجاك الله في فتنة القول بخلق القرآن؟
قال: والله ما نجاني الله إلا بالصدق، والصدق لا يخاف صاحبه أبداً.
مر عمر رضي الله عنه وأرضاه بأطفال أهل المدينة، ففر الجميع في كل وجهة إلا ابن الزبير ثبت مكانه، فأراد عمر أن يمتحن ذكاءه فقال: لِمَ لَمْ تفر معهم؟.
قال: لست بجانٍ فأخاف، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك.
فدعا له عمر ومسح على رأسه، وذكر أنه سوف يكون له شأن، وبالفعل كان له شأن، فقد تولى أمر الأمة الإسلامية ست سنوات، وهو الفارس المصلوب، لم يكن له قبر في الأرض فصلب على الخشب من عظمته.
فالشاهد: أن الله وصفهم بالرعد، لأن ما يسمعون من قوارع كأنه رصاص على رءوسهم أو رعد، ولذلك الآن لو حضر المنافق خطبة الجمعة وسمع المواعظ والتهديد فهو خائف، يقول: الخطيب قصدنا هذا اليوم، حسبنا الله عليه تكلم عنا هذا اليوم وشن الغارة علينا ونقدنا، وهذا ليس بأسلوب دعوة، وهؤلاء ليس عندهم إلا تجريح أعراض الناس، ولو كان هذا الرجل سليماً لم يكن ليشك، ولذلك إذا تحدث عن النظر في الحرام، والنظر في الأسواق، قال: حسبه الله، الرسول صلى الله عليه وسلم كان يستخدم أسلوب اللين والرحمة مع الناس، أما هو فلا يعرف إلا التجريح، رغم أنه لا يقصده ولا يدري أنه نظر إلى الحرام.
وإذا تكلم عن الغناء والربا والزنا والمخدرات والخمر شك وظن أنه هو المقصود: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون:٤].
ولذلك يقولون: إن رجلاً من الحكماء أتته امرأة، فقالت: رجل سرق دجاجتي ولا أدري من هو هذا الرجل، ميزانيتها ورأس مالها هذه الدجاجة؛ لأن بعض الناس من فقره ليس عنده إلا شيء من هذه الصغار.
فجمع هذا الحكيم الناس، وقال لهم: لقد علمنا بسارق الدجاجة، وعلامته: أن على رأسه ريشة من ريش الدجاجة، فذهب السارق يمسح على رأسه ليزيل الريشة، فكشفه الحكيم، والمثل يقول: (كاد المريب أن يقول: خذوني).
ذكر ابن كثير أن أحد الخلفاء جاءه أحمق فطبخ له دجاجة وهو من المقربين إليه، لكنه متخلف، وقدمها هدية له فقال الخليفة: جزاك الله خيراً! جدت بالميسور فهي أعظم عندنا، وهذا مقدار طاقتك، فأعطاه الخليفة جائزة، فكان يتقرب دائماً من الخليفة، فيقول: كلما سئل ودارت مسألة، حدث هذا قبل أن أهدي للخليفة الدجاجة بسنة، وهذا بعد أن أهديت له بشهر، وهذا الحادث وقع مع إهدائي الدجاجة له، فقبحه وقبح دجاجته وطرده من مجلسه.
ولذلك يحسبون كل صيحة عليهم، بعض الناس إذا ركب معك، وربما سمع شيئاً من القرآن، قال: أرجوك أن تطفئ هذا الشريط أزعجتنا دعنا نعيش ونأكل ونشرب، دائماً قرآن قرآن خوفتنا يا أخي، دعنا نضحك ونبتسم، لأنه يقع على أدواء قلبه، ويرصد شيئاً فيه، ولذلك يقول سيد قطب: إن القرآن يأخذ على منافذ القلوب، فلا يترك منفذاً من نفس إلا ويدخل من هذا المنفذ يريد علاجه.
ووصف القرآن بالرعد؛ لأن زواجر القرآن على قلب المنافق كالرعد الذي ينصب على آذان الناس.