ومن السنن في الأسفار: كثرة الدعاء والذكر؛ لأن للمسافر دعوة لا ترد بإذن الله، والله عز وجل عند المنكسرة قلوبهم.
والمسافر إذا سافر عن أهله انكسر قلبه بالفراق والوحشة؛ فإذا انكسر قلبه؛ أجابه الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
فثلاثة دعوتهم مقبولة عند الحي القيوم، الوالد لولده، والمظلوم على ظالمه، والمسافر، وعند أبي داود:{الصائم حتى يفطر، والوالد لولده، والمظلوم على ظالمه} ورواية المسافر صحيحة؛ فإن له دعوة لا ترد بإذن الله.
فعلى المسلم أن يغتنم سفره في الدعاء، وكثرة التهليل والتكبير والتسبيح، وأن يلتجئ إلى الحي القيوم.
وفي صحيح مسلم قال أبو هريرة رضي الله عنه وأرضاه:{كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين مكة والمدينة، فسرنا؛ فعرض له جبل اسمه جمدان - جمدان جبل يقع بين مكة والمدينة - فقال: سيروا هذا جمدان سبق المفردون، قلنا: وما المفردون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}.
قال سهل بن سعد:{دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثنية، فتعبنا فيها - هذه الثنية هي: جبل شائك ركبوه بفرسانهم وخيولهم فتعبوا فيه - فلما نزلوا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: نستغفر الله ونتوب إليه، فقال الصحابة: نستغفر الله ونتوب إليه، قال: أبشروا وأملوا في ربكم ما يسركم! هذه والذي نفسي بيده! الحطة التي عرضت على بني إسرائيل يوم دخلوا الباب، قال لهم الله عز وجل: {وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ}[الأعراف:١٦١]}.
لما دخل اليهود باب أريحا في فلسطين قال لهم الله:{قُولُوا حِطَّةٌ}[الأعراف:١٦١] أي: قولوا: غفرانك يا رب! نستغفرك ونتوب إليك من الذنوب والخطايا، فأخذوا يستهزئون ويتبطحون على أدبارهم، ويقولون: حنطة في سنبلة، وحنطة في شعرة، فأخزاهم الله عز وجل وقطع دابرهم، فقبلها أصحاب محمد عليه الصلاة والسلام، وقالوا: نستغفرك الله ونتوب إليك.
قال أهل العلم: من تعب في سفره، أو صعد جبلاً، أو حمل حملاً ثقيلاً، فليقل: نستغفر الله ونتوب إليه؛ لأنه لم تأت مشقة في سفر إلا بالذنوب التي لا نخلو منها طرفة عين، فإن ذنوبنا عدد أنفاسنا، نذنب ونحن جلوس في بيوتنا، وتذنب قلوبنا وأبصارنا وأسماعنا، ولا يغفر الذنب إلا الحي القيوم، فالجأ إليه واستغفره دائماً وأبداً.
والمقصود هنا: كثرة الدعاء في السفر والتهليل والتكبير؛ ليصحبك الله عز وجل وليؤنسك مما تخاف.