[قيمة العرب بالإسلام]
اللهم لك الحمد خيراً مما نقول، وفوق ما نقول، ومثل ما نقول.
لك الحمد بالإيمان, ولك الحمد بالإسلام، ولك الحمد بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عز جاهك، وجل ثناؤك، وتقدست أسماؤك، ولا إله إلا أنت.
في السماء ملكك، وفي الأرض سلطانك، وفي البحر عظمتك، وفي الجنة رحمتك، وفي النار سطوتك، وفي كل شيء حكمتك وآيتك.
أنت رب الطيبين، وأنت عضد الملتجئين، لك الحمد حتى ترضى، ولك الحمد إذا رضيت، ولك الحمد بعد الرضا.
والصلاة والسلام على من أرسلته معلماً وهادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الخير بإذنه وسراجاً منيراً.
بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، هدى الله به الإنسانية، وأنار به أفكار البشرية، وزعزع به كيان الوثنية.
فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
وإنها لسانحة طيبة، وفرصة عظيمة، أن أرى هذه الوجوه الغالية، وإن كان من شكر، فإني أتوجه بالشكر الجزيل إلى الله الحي القيوم، الذي رفع رءوسنا وأنار قلوبنا بالإسلام، ثم أشكر أهل الفضل: {الذي لا يشكر الناس لا يشكر الله}.
فأشكر قائد هذه القاعدة ومساعده، وأشكركم شكراً جماً على حرصكم على الخير، وعلى دعوة الإسلام، والرسالة الخالدة، ومجالس الذكر, وما أشبهكم بقول الأول يوم قال:
هَيْنُون لَيْنُون أيسارٌ بني يَسَرٍِ صِيْدٌ بَهاليل حَفَّاظون للجارِِ
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
وأنتم نجوم من نجوم الإسلام، إذا كانت مظلتكم (لا إله إلا الله)، وعقيدتكم تستضيء بـ (لا إله إلا الله)، ومسيرتكم ترفرف عليها (لا إله إلا الله)؛ فهنيئاً لكم.
معشر المسلمين: نحن الأمة العربية قبل الإسلام لم يكن لنا تاريخ، ولو زعم القوميون وأهل التراب والوطنيون أن لنا تاريخاً فأين تاريخنا؟ بل تاريخنا مبدؤه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
نظر الله إلى الأمة العربية فوجدها أمة ضائعة حقيرة، مسكينة متقاتلة، فرحمها من فوق سبع سماوات، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الجمعة:٢].
وقد صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام كما في صحيح مسلم من حديث عياض بن حمار أنه قال: {إن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم جميعاً عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، ثم بعث محمداً عليه الصلاة والسلام}.
إن البرية يوم مبعث أحمدا نظر الإله لها فبدل حالها
بل كرم الإنسان حين اختار من خير البرية نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائد أمة جبت الكنوز فكسرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نحوه لا تبتغي إلا رضاه سعى لها
فأمدها مدداً وأعلى شأنها وأزال شانئها وأصلح بالها
مَن الذي أصلح بال هذه الأمة، ورفع قيمتها وأتى بمجدها إلا الحي القيوم.
إننا أمة نتعامل بالوحي، وأمة فيها قداسة، قال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠].
إذا فاقنا الآخَرون بالطائرات والصواريخ والصناعات والذرة، فقد فُقْناهم -والله- بـ (لا إله إلا الله).
ديننا مستمد من الحي القيوم، ورسالتنا خالدة، عبرنا بها المحيطات، وسرنا بها على البحور.
ولذلك أقف معكم، مع شاعر الباكستان محمد إقبال، وهو يأتي قبل أربعين سنة ليحج في مكة، وليطوف بالبيت العتيق، كان يسمع بـ الجزيرة العربية، ويظن أنه إذا دخل مكة سوف يرى أبناء الصحابة، وأحفاد التابعين، أحفاد خالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص وطارق بن زياد، الذين فتحوا المعمورة بـ (لا إله إلا الله)، الذين نشروا السلام في بقاع الأرض.
فأتى، ففوجئ بمجتمع غير ذاك المجتمع، مجتمع همه لقمة العيش، والقصر والسيارة والوظيفة والشهرة والمنصب، فبكى طويلاً وسجل مقطوعة شعرية رائعة اسمها: (تاجِكْ مكة) أي: أنا في مكة، يقول وهو يتحدث ويناجي الله وهو يطوف ويبكي:
نحن الذين استيقظت بأذانهم دنيا الخليقة من تهاويل الكرى
ثم يقول:
بمعابد الإفرنج كان أذاننا قبل الكتائب يفتح الأمصارا
لم تنس إفريقيا ولا صحراؤها سجداتنا والأرض تقذف نارا
كنا جبالاً في الجبال وربما صرنا على موج البحار بحارا
ثم يعود فيقول:
كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا
لو كان غير المسلمين لحازها كنزاً وصاغ الحلي والدينارا
يقول: أين تاريخنا المشرق؟ أين أسلافنا الذين أقبلوا على الله عز وجل وجاهدوا لتكون كلمة الله هي العليا؟!
ويتذكر محمد إقبال تاريخنا القديم، تاريخ محمود بن سبكتكين، السلطان العادل الكبير، الذي فتح ألف ولاية في المشرق، ودخل بستمائة ألف من الجيش، ولما أتى إلى الهند، رأى الأصنام من ذهب، فقال له ملك الهند: خذ هذه الأصنام واتركنا في ديارنا، قال: يا سبحان الله! يدعوني الله يوم القيامة: يا بائع الأصنام! لا.
بل أريد أن أدعى يوم القيامة: يا مكسر الأصنام! والله لا أشتري بـ (لا إله إلا الله) ثمناً، ولو جمعت لي الدنيا وما فيها ذهباً وفضة.
ثم أمر جيشه أن يهرعوا إلى الأصنام ليكسروها.