للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[نسيان الإنسان لنعمة الله]

خرج قارون معه حلة من ديباج يتبختر فيها، فقال له قومه: اتق الله {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ} [القصص:٧٧] وعظوه.

فهو فعل كما يفعل بعض الناس الآن، إذا أغناه الله بعد الفقر، وأصح جسمه بعد السقم، وأتاه ذرية بعد أن لم يكن عنده ولد، نسي الله، فتجبر على عباد الله، وصعر خده لأولياء الله، فـ قارون فعل ذلك، ومما قالوا له: اتق الله {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:٧٨] الله يدري أني أستحق المال، وأنا أخذته بعرق جبيني وبجهدي وبذكائي وبدهائي، وهو كذاب دجال فما منحه المال إلا الله، ولا يرزق إلا الله.

والله الذي لا إله إلا هو إذا لم يرزقك الله فلن يرزقك أهل الدنيا ولو اجتمعوا عن بكرة أبيهم؛ لأن مفاتيح المال والخزائن من عند الله عز وجل، والقطر والزرق والإحياء والإماتة كلها بيده: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً * وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرّاً وَلا نَفْعاً وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً وَلا حَيَاةً وَلا نُشُوراً} [الفرقان:١ - ٣].

سبحان الله! كيف ينسى الإنسان؟!

أما يتذكر يوم كان ضعيفاً في بطن أمه؟!

كان قطعة لحم لا يسمع ولا يبصر ولا ينطق ولا يتكلم، فلما امتلك العضلات، وأصبح قوي البنية، يلبس ما شاء من الملابس، أصبح لا يرى الناس شيئاً!

خف الله، لمن البقاء إلا لله! لمن الغنى إلا لله! لمن القوة إلا لله! ذكره قومه بذلك فنسي الله، قال له قومه: لا تبغ الفساد في الأرض، قال: إنما أوتيته على علم عندي!

{قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص:٧٩] بعض الناس يظن إذا مهد الله له الدنيا ورزقه أبناءً وأولاداً وقصوراً وعماراتٍ وسيارات أن الله يحبه، وما يدري هذا الإنسان أنه قد يكون أعدى عدو لله في الأرض، وأن يكون حسابه أن يكب على وجهه في النار، ولا يدري أنه قد يكون أكبر فاجر على المعمورة، لكن الناس يختلفون في عقولهم، وفي بصائرهم {قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: ٧٩].

يقولون: إن قارون بطل من الأبطال، وله منزلة عالية عند الله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>