للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[عوامل محبة الله عز وجل]

وعوامل محبة الله عز وجل تحصل بأمور، من أعظمها وأكثرها نفعاً، وأجلها فائدة وقربى وزلفى من الله عز وجل، القرآن الكريم، وهذه المناسبة مناسبة القرآن، ومع طلبة كتاب الله عز وجل، لأنه الكتاب العظيم الذي وصى به صلى الله عليه وسلم، فلا نجاح للأمة ولا فلاح إلا بتلاوته وتدبره، ويوم ترى الأمة تعرض عن القرآن، وتأخذ عوضاً عن القرآن يرميها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى بالجدل، وعند أبي داود بسندٍ حسن: {ما أعرض قومٌ عن كتاب الله إلا أوتوا الجدل} وهو من حديث ابن عمرو مرفوعاً إليه صلى الله عليه وسلم.

فتعيش الأمة سخيفة التقاويم والمبادئ والتعاليم يوم تعرض عن القرآن والسنة، تكون مجالسها عقيمة لا فائدة فيها ولا نفع، ولا عائد يعود عليها في دنياها ولا في أخراها، والأمة التي تتلقى ثقافتها من غير القرآن، أمةٌ لا عقل لها ولا تدبير ولا مجد، ولذلك بالاستقراء من حياة السلف الصالح والقرون المفضلة، لما عكفوا على الكتاب وعلى السنة كانوا أجدر العصور وأخلصها وأصدقها وأمجدها عبادةً وزهداً وإقبالاً على الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولما أعرضنا -إلا من رحم الله- عن القرآن ماتت قلوبنا، وفقدنا ذاك النور والإشعاع والإقبال على الله عز وجل.

والرسول صلى الله عليه وسلم أتى ليعلم القرآن: {وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ} [النمل:٩٢] فهو فمهمته أن يتلو القرآن على الناس، ولذلك منع في أول عصره، وحياته عليه الصلاة والسلام -الحياة الدعوية وحياة الرسالة- كتابة الحديث، لئلا يتشاغل الناس بالحديث عن القرآن.

فتعالوا نرى حياة الصحابة مع القرآن، كيف عاشوا مع القرآن؟

وكيف تألقوا مع القرآن؟

وكيف عملوا بالقرآن؟

وكيف حولوا حياتهم مع القرآن؟ في صحيح مسلم عن سعد بن هشام بن عامر رضي الله عنه وعن أبيه وجده، فأبوه وجده من الأنصار الذين شهدوا بدراً وأحداً.

تلك المكارم لاقعبان من لبن شيبا بماء فعاد بعد أبوالا

إذا افتخر المفتخر فليفتخر ببلائه في الإسلام، وبقدمه في خدمة الدين، وفي رفع لا إله إلا الله، أما الذي يفتخر بنسبه وأسرته وعراقته ومنصبه وجاهه ووظيفته، فهذه افتخارات فرعون وأبنائه وأذنابه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

دخل ثلاثة من الشباب على عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه، وهو الزاهد العابد وخليفة الإسلام، فقال: [[من أنتم؟ قال: أحدهم أنا ابن الأمير فلان بن فلان على الكوفة، فسكت عمر وأشاح بوجهه، وقال للآخر: من أنت؟ قال: أنا ابن فلان الذي كان في جيش الوليد قائداً، وقال الثالث: أنا ابن قتادة بن النعمان الذي حضر أحداً فقلعت عينه فسالت على خده فردها صلى الله عليه وسلم بيده، ثم قال الفتى:

أنا ابن الذي سالت على الخد عينه فردت بكف المصطفى أحسن الرد

]]

فدمعت عينا عمر بن عبد العزيز وقال: حياك الله وبياك.

تلك المكارم لاقعبان من لبن شيبا بماء فعاد بعد أبوالا

<<  <  ج:
ص:  >  >>