للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[مشاركة الدكتور ناصر بن سعد الرشيد]

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد:

فلقد قدمت طلباً للتعليق قبل أن أسمع الكلمة التي قالها محاضرنا الليلة وهي: من أراد أن يعلق فليسمع، فكأن الشيخ يتحداني ولو علمت ذلك لما تقدمت، لكني سأحتال لنفسي وأتجنب غضب الشيخ عليَّ؛ لأني لن أتحداه هذه المرة، وإنما هناك نقطتان أشار إليهما الشيخ ويبدو أن الوقت لم يسعفه لأن يبلورهما؛ فبراءة للذمة أردت فقط أن أوضحهما.

النقطة الأولى: تتعلق بشخصية المعتمد بن عبَّاد: والحقيقة أن المعتمد بن عبَّاد تعرضه كتب النصوص الأدبية على أنه رجلٌ مترف فقط، وتقدمه لنا من خلال زوجته اعتماد البرمكية، ومن خلال نكبته، وقد يكون هذا صحيحاً، وقد قدمت النصوص جوانب غير مضيئة من شخصيات إسلامية مضيئة، كما قدمت لنا بعض الجوانب من حياة الرشيد، وكما قدمت لنا بعض الجوانب من حياة عبد الحميد السلطان، وقد ظلم الأدب كثيراً من الشخصيات الإسلامية العظيمة، وقد عظَّم كثيراً من الشخصيات الإسلامية التي ليست بعظيمة.

وقد أشار الشيخ جزاه الله خيراً إلى تخليد المتنبي لـ سيف الدولة الحمداني، والحقيقة التاريخية أنه لا مقارنة بين سيف الدولة الحمداني وكافور الإخشيدي مطلقاً، فـ كافور الإخشيدي كان رجلاً مشهوراً بالعدل والشجاعة وبغير ذلك، وسيف الدولة الحمداني له ما له وعليه ما عليه، ولن أتعرض لهذا الرجل لأني لا أحب أن أشوه سمعة أحدٍ من علمائنا أو قوادنا أو شخصياتنا.

لكن المعتمد بن عبَّاد من الرجال الذين لم يعرضوا العرض المطلوب، وأنا أردت فقط أن أنبه على ذلك؛ لأن شخصية المعتمد بن عبَّاد لا نحتاجها، ولا نحتاج أن نعرف حقيقته مثلما نحتاج أن نعرفها اليوم، وما أريد أن أقوله عن هذه الشخصية أني أحيلكم على النصوص التاريخية حتى تروا موقف هذا الرجل من الأزمات، ولا أريد أن أقول أكثر من هذا حول شخصية المعتمد بن عبَّاد إلا أن المؤرخين لهذه الشخصية أثنوا عليه ثناءً كبيراً، ووصفوه بأنه البطل الصنديد الغيور على الإسلام، والذي رفض العروض التي انهالت عليه من هنا وهناك لتحمي عرشه، ولا أريد في حقيقة الأمر أن أستشهد لكم لعظمة هذا الرجل، لكني أتمنى أن ترجعوا إلى الكتب والمصادر الأصيلة التي كتَبَت عن ابن عبَّاد هذا وسترون فيه رجلاً مسلماً عظيماً.

وأرجو هذه المرة ألا تسألني عما قصدت؛ لأني لا أستطيع أن أقوله حقيقة لهذا الموقف؛ ولكن من أراده فسيجده.

النقطة الثانية: هي أيضاً لست أدري عتاب للشيخ أم لا! لأنه في حقيقة الأمر قارن بين نص للمتنبي ونص لـ ابن القيم، لا شك أنه لا مقارنة بينهما، ولكن أيضاً سنداعبك أيها الشيخ الجليل وأنت شاعر وعجيب، أنك في حقيقة الأمر لم تنصف الرجل؛ لأنك قارنت بين قصيدة وجدانية للمتنبي وهي قصيدة في وصف الحمَّى بأبيات مِن الكافية الشافية ابن القيم وشافيته التي قالها في العقيدة ولا أظن أن في هذا إنصاف لـ ابن القيم، فيجب علينا أن نتحرى الإنصاف والعدل حينما نقارن بينهما، وأنا في حقيقة الأمر لا أرى أن ابن القيم يرقى إلى المتنبي، ولكن ابن القيم أيضاً رجلٌ جدير بأن يُدْرَس أديباً، ويُدْرَس ناقداً، ويُدْرَس بلاغياً، ولو لم يكن له سوى البيت المشهور الذي سرى بين الناس دون أن يعلموا مَن القائل:

إذا طلعت شمس النهار فسلمي فإنها إشارة تسليمي عليكم فسلموا

أي: أنها أمارة تسليمي فسلموا، ولو لم يكن إلا هذا البيت لكفى.

وصلى الله على محمد.

الرد: أولاً: أشكر الأستاذ الأديب يحيى المعلمي، وأسأل الله عز وجل أن يغفر لي تقصيري، وأعرف أن مقصده تربوي، وحث الهمم على الاستزادة، وإلا فأنا أصغر مما قال.

ثانياً: أشكر فضيلة الدكتور ناصر الرشيد وأقول له كما قال ابن القيم في قصيدته التي أستشهدُ منها ببيت:

أما والذي شق القلوب وأوجد المحبة فيها حيث لا تتصرمُ

وحملها جهد المحب وإنه ليضعف عن حمل القميص ويعلمُ

لأنتم على بعد الديار وقربها أحبتنا إن غبتمُ أو حضرتمُ

أنت من أحباب قلوبنا، وقد جلست معه وسعدت بالمجلس وعرفت غيرته على دين الله، وانتماؤه لـ (لا إله إلى الله) فأنا أتحمل عنه ما قال، وأعفو عنه إن كان خطر شيء ما

وإذا الحبيب أتى بذنت واحدٍ جاءت محاسنه بألف شفيع

وسوف أراجع -إن شاء الله- ترجمة ابن عبَّاد، وأما المقارنة فلي وجهة نظر وله وجهة نظر، والمسألة ديموقراطية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>