وذكر عن أبي حنيفة أنه قال: إذا خالف قولي السنة فاضربوا بقولي عرض الحائط، وكان الشافعي يقول: إذا رأيتموني عرفت الدليل وقلت بخلافه فاعلموا أن عقلي قد ذهب، ويؤثر أنه قال: إذا صح الحديث فهو مذهبي، وكان الإمام أحمد يقول: دع عنك رأي سفيان ورأي الأوزاعي وهؤلاء الأئمة ورأي مالك وخذا من حيث أخذ القوم، يعني من الكتاب والسنة.
كان الإمام مالك يقول: ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر عليه الصلاة والسلام؛ لأنه معصوم، فكانوا يتواضعون ولا يريدون أن يصروا على أخطائهم لو تجلت لهم وإلا فقد ظهر لبعضهم الخطأ فعاد.
وهكذا الصحابة، كان عمر ينبه على كثير من المسائل رضي الله عنه وأرضاه فيعود وسوف أذكر لكم أمثلة من ذلك.
طرق أبو موسى على عمر رضي الله عنه وأرضاه الباب واستأذن ثلاثاً فلم يأذن له عمر، فانقلب أبو موسى راجعاً ففتح عمر الباب فرأى أبا موسى مولياً فدعاه فأجاب، قال: مالك؟ قال: يقول عليه الصلاة والسلام: {إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع} فظن عمر أنه استحضر هذا الحديث -وعمر لم يسمع بهذا الحديث من قبل- قال:[[والله لتأتيني بمن يشهد لك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال هذا الحديث أو ليكونن لي ولك شأن، فذهب أبو موسى خائفاً وجلاً إلى مجلس الأنصار وقال: أنقذوني من عمر تلوت له هذا الحديث فقال: ائتني بشاهد، قال له الأنصار: والله لا يأتي معك إلا أصغرنا قم يا أبا سعيد! إلى عمر، فقال: أشهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم قاله، فعاد عمر رضي الله عنه إلى القول بهذا الحديث]] وغيرها كثير من القضايا، ولا يلزم من المجتهد أن يكون عالماً بكل الشريعة ولا يزال طالب العلم مستفيداً والمسلم عارفاً ما أراد الحق، ويلتمس الحق ويستفيد من كل قوم، والمتكبر أجهل الناس، ولذلك تحرم منه الفائدة ويحرم منه الحق؛ لأن الله يقول:{سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِي الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً}[الأعراف:١٤٦] فالمتكبر مصروف عن الهداية.
من صور التكبر: أن كثيراً من الناس لا يحضر مجالس الذكر ولا المحاضرات؛ لأن المتكلم أصغر منه سناً، وأقل علماً، وقد ولد قبله بأربعين سنة، ولد في الحرب العالمية الأولى، وهو ولد بعد الحرب العالمية الثانية، فتجده ممنوعاً من الفائدة، والذين يحضرون يستفيدون وهو لا يستفيد، وإذا سمع كلمة صد عنها وقال: ليست صحيحة، همه المعارضة؛ لأنه تكبر فهو من أجهل الناس، والعرب تسمي المتكبر احمق، وهو الخطر الداهم الذي يهدد كثيراً من الناس إن لم يتداركوا أنفسهم.