للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[تسبيح الهروي في قصته مع السلطان ابن سبكتكين]

كان أبو إسماعيل الهروي محمد بن عبد الله الأنصاري صاحب منازل السائرين من أشجع الناس، عالم خراساني يسمى شيخ الإسلام، هذا يتحدى السلاطين تحدياً سافراً، لا يقف له أحد، وكان من أكبر الأولياء لله عز وجل، وكان شاعراً بديعاً يقول لـ نظام الملك؛ السلطان العظيم الذي بنى مدارس العالم الإسلامي، وكان من السادات الكبار، دخل عليه أبو إسماعيل الهروي فقال:

بسيفك أدرك المظلوم ثاره ومن جدواك شاد الملك داره

وقبل هنئ الوزراء حتى نهضت بها تهنأت الوزاره

أراد الحسدة في خراسان أن يشكوه للسلطان ويقولون: إنه مشرك، وهو الذي يعلم الناس التوحيد؛ لعل السلطان أن يعزله أو يقتله أو يحبسه، فماذا فعلوا؟ أتوا بصنم على صورة إنسان نحتوه من ذهب ثم دخلوا مسجد أبي إسماعيل، ووضعوا الصنم تحت السجادة، وذهبوا إلى السلطان والسلطان محمود بن سبكتكين أحد السلاطين الكبار، فقالوا: أبو إسماعيل الهروي يعبد الأصنام، قال: عجيب! قالوا: نعم.

تحت سجادته صنم من ذهب يسجد عليه، قال للجنود: اذهبوا إلى السجادة وائتوني بالصنم، فذهبوا فوجدوا الصنم تحت السجادة، وأتوا بـ أبي إسماعيل فأدخلوه وهو لا يدري ما القصة، فأخرج له الملك الصنم فقال: ما هذا يا أبا إسماعيل؟ قال: هذا صنم، قال: ما حكم عبادة الصنم؟ قال: ملعون من يعبد الأصنام، قال: وأنت تعبد الصنم؟ قال: سبحانك هذا بهتان عظيم! قال: فكاد قلب محمود أن ينخلع، فقال محمود: كذبتم وصدق، ثم جلدهم من مائة جلدة وأخرجهم.

هذا أبو إسماعيل الهروي يقول: عرضوا رأسي للسيف خمس مرات، والله ما طلبوا مني أن أعود عن مذهبي، لكن طلبوا مني ألا أسب المذاهب فما وافقت، ما وافق لأنه يحب لا إله إلا الله، كان ابن تيمية يحبه ويقول: عمله خير من علمه؛ لأنه أحياناً في منازل السائرين يأتي بالفناء والشهود وكلمات الصوفية، لكن إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث.

وله قصص عجيبة في هذا الباب:

أتوا بأحد تلاميذه ليقتله السلطان ظلماً؛ لأنه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فلما قدموه للخشبة ليشنقوه فقيل له: قل: لا إله إلا الله، قال تلميذه: يقول لي شيخي أبو إسماعيل الأنصاري: لا تعلف الدابة في أسفل العقبة، أي أن لا إله إلا الله لا تنفع إلا عند المشنقة، قل لا إله إلا الله من قبل، ولا يترك الإنسان نفسه ولا يذكرها إلا إذا أتاه الموت أو أصبح على السرير الأبيض في وقت المرض، فالدابة إذا أردت أن تصعد من تهامة، وأردت أن تقويها، فلا ينفع أن تأتي في الصباح تعلفها الشعير حتى تسمن، بل اعلفها من قبل بمدة كافية، وهذا معنى كلامه، وهي من أبدع الكلمات.

<<  <  ج:
ص:  >  >>