للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[قصيدة بعنوان: الوحي مدرستي الكبرى]

فعسى الله أن يرزقنا الثناء الجميل، والأجر العظيم، نحن ودعاة الإسلام والصالحين من عباده.

وهناك كثير من القصائد في هذا الباب أحببت أن أذكر قصيدة نظمتها منذ أيام بعنوان "الوحي مدرستي الكبرى" فيها بعض المعاني، أسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون في ميزان الحسنات، وأن تكون ذباً عن أعراض الصالحين قلت فيها:

أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني

بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني

وفي ربا مكة تاريخ ملحمةٍ على ثراها بنينا العالم الفاني

دفنت في طيبة الروحِ ووا ولهي في روضة المصطفى عمري ورضواني

النيل مائي ومن عمان تذكرتي وفي الجزائر آمالي وتطوان

دمي تصبب في كابول منسكباً ودمعتي سفحت في سفح لبنان

فأينما ذكر اسم الله في بلدٍ عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني

والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا ميلاد فجري وتوحيدي وإيماني

وثيقتي كتبت باللوح وانهمرت آياتها فاسألوا يا قوم قرآني

جبريل يغدو على قومي بأجنحةٍ من دوحة الطهر في نجواه عرفانِ

بدر أنا وسيوف الله راعفة كم حطمت من عنيدٍ ماردٍ جاني

كتبت تاريخ أيامي مرتبةٍ في القادسية لا تاريخ شروان

وما استعرت تعاليماً ملفقةً من صرح واشنطن أو رأس شيطانِ

وما سجدت لغير الله في دعةٍ وما دعوت مع معبودنا ثاني

وما مددت يدي إلا لخالقها وما نصبت لغير الحق ميزانِ

فقبلتي الكعبة الغراء تعشقها روحي وأنوارها في عمق أجفاني

وليس لي مطلبٌ غير الذي سجدت لوجهه كائنات الإنس والجان

لا أجمع المال مالي كل أمنيةٍ طموحةٍ تصطلي بركان وجداني

وكل قدم جبانٍ لا يصاحبني على الشجاعة هذا الدين رباني

ليت المنايا تناديني لأخبرها أن المنايا أنا لا لونها القاني

ليرم بي كل هولٍ في مخالبه ما ضرني وعيون الله ترعاني

ممزق الثوب كاسي العرض ملتهباً أنعى المخاطر في الدنيا وتنعاني

مريضُ جسمٍ صحيح الروح في خلدي حبٌ لأحمد من نجواه عرفاني

بلال صوتي هتافٌ كله حسنٌ أذانه في المعالي رجع آذاني

وعزم عمار في دنيا فتوته أسقي شبابي به من نهره الداني

عصا الكليم بكفي كي أهش بها على تلاميذ فرعونٍ وهامانِ

ونار نمرود أطفيها بغاديةٍ من الخليل فلا النيران تصلاني

في حزن يوسف تاريخي وملحمتي من صنع خالد لا من صنع ريجان

داود ينسج درعي والوغى حممٌ لا يخلع الدرع إلا كف أكفاني

دعني ألقن قوماً ما لهم هممٌ إلا على العزف من دانٍ ومن دان

قومٌ مخازنهم نهبٌ ومطعمهم سلب وموكبهم من صف فئرانِ

هم في الرؤى نقطة سوداء إن لمعوا يا للرجال وهذا العالم الثاني

يا جيل يا كل شهمٍ يا أخا ثقةٍ يا بن العقيدة من سعد وسلمان

يا طارقاً يا صلاح الدين يا ابن جلا يا عين جالوت يا يرموك فرقانِ

يا بائع الأنفس الشماء في شهبٍ من الرماح على دنيا سجستان

يا من بنوا المجد من أغلى جماجمهم في شقحب النصر أو في أرض أفغانِ

يا من سقوا دوحة الإسلام من دمهم من كل أروع يوم الروع ظمآن

يا صوت عكرمة المبحوح يقطعه قصف العوالي من سمرٍ ومرانِ

هيا إلى الله بيحوا كل فانيةٍ فصوت رضوان ناداكم وناداني

أيها الإخوة الكرام: في هذه الليلة أفشي لكم سراً وهو طلبٌ ينفعكم عند الله سبحانه وتعالى، وهو أمرٌ عظيم، وأجره جزيل، إنه بناء المساجد، فإن الله سبحانه وتعالى تكفل لمن بنى مسجداً وبيتاً له في الدنيا؛ أن يبني له بيتاً في الجنة ولو كمفحص قطاة، قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:١٨] إن الذي يعمر المساجد إنما يعمرها حباً فيما عند الله عز وجل، إن كل مصلٍ يصلي في هذا المسجد، لك بمثل صلاته أجرٌ ومثوبة عند الواحد الأحد.

إنها البيوت التي يجب علينا أن نعتني بها: في توسيعها، وبنائها، وخدمتها، أكثر مما نعتني ببيوتنا، ليس للمنافقين أن يعمروا المساجد، وليس للمشركين، ولا من في قلبه مرض قال تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} [التوبة:١٧] ولكن: {إنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} [التوبة:١٨] فندعوكم أيها الأخيار من أهل التجارة وممن أعطاهم الله المال ليبتليهم سبحانه وتعالى به، وليعلم أيشكرونه، أم يكفرونه، وليعلم سبحانه وتعالى أينفقونه في أبواب الخير والبر، أم يجعلونه في المعاصي والانحراف والصد عن منهج الله.

يقول سبحانه وتعالى عن أعدائه: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦] فمعاذ الله -يا تجار المسلمين! ويا أثرياء المسلمين! ويا أغنياء المسلمين! - أن تجعلوا الأموال حرباً على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، أو ولوغاً في الشهوات، أو سقوطاً في المعاصي، بل هنا منفذٌ كبير، وبابٌ يدخلكم الجنة، وقائدكم في هذا رسول الهدى عليه الصلاة والسلام وأصحابه، فإن عثمان رضي الله عنه وأرضاه دخل الجنة بالمال، وكذلك ابن عوف.

قام صلى الله عليه وسلم يطلب الصدقة والنفقة على جيش المسلمين المتوجه إلى تبوك، فقام عثمان فهيأ الجيش بآلاف الدنانير، ودفع الجمال والخيول فقال صلى الله عليه وسلم: {ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، اللهم ارضَ عن عثمان فإني عنه راضٍ} وكان المسلمون يقولون: سقى الله ابن عوف من سلسبيل الجنة.

فيا أيها الإخوة: من كان له استطاعة، ولو بالريال أو بالعشرة أو بالمئة، أو بما كثر أو قل، أو يعرف غنياً أو تاجراً، فليساهم في دعوته في بناء المساجد.

وأمامي قائمة من المساجد التي تحتاج إلى بناء وأصحابها الآن يدعون، وهم يتحرون من يمدهم بعونٍ ويوسع لهم مسجدهم ويبنيه بناءً طيباً؛ ليهتفوا إلى الله سبحانه وتعالى أن يغفر لهذا الباني، وأن يرحمه، وأن يجزل مثوبته.

وهناك من الوثائق والصكوك ما يثبت ذلك، فعسى الله أن يكمل السعي، وأن ينفعنا بهذه الأموال التي إذا وجهت توجيهاً صحيحاً نفع الله بها أمته، ونفع بها عباده، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وفي الأخير: أخبركم بسرٍ عسى أن يكون معلناً وهي رسالة من تهامة، رسالة من أرضٍ فقيرة، وأرضٍ مجدبة، وأرضٍ بها قحط، أرض تريد مد يد العون من الصدقة من العلم النافع، أرضٌ تنادي التجار والعلماء، تنادي طلبة العلم، تنادي الدعاة.

فيا أيها الناس: نسأل الله سبحانه وتعال أن يجعلكم من المستجيبين له ولرسوله، وأن تلبوا هذا الداعي، وأن تذهبوا بأنفسكم وبسياراتكم إلى هذه البوادي والقرى والجبال والضواحي تنشرون بها العلم النافع بواسطة الشريط، والكلمة النافعة، والخطبة والموعظة، وتبينوا للناس أمور دينهم، وتحملوا معكم الأرزاق، وتحملوا معكم ما ينفع هؤلاء من الملابس والأغذية والأكسية، كما أني أدعوا أهل رءوس الأموال والأغنياء والأتقياء أن يبذلوا الصدقات هناك، فإن الأقربين أولى بالمعروف، وهم أحوج ممن هو أبعد منهم، فعسى الله سبحانه وتعالى أن ينفع بالجهود، وأن يجعل أعمالنا خالصةً لوجهه الكريم، وأن يصلح الراعي والرعية، وأن يؤلف بين قلوب المسلمين، وأن يجعلنا من أنصار دينه، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، كما أشكر الذين بذلوا من علمهم ومن جهدهم ومن وقتهم فهذا الذي يبقى لهم:

من يفعل الخير لا يعدم جوازيه لا يذهب العرف بين الله والناس

أسأله سبحانه وتعالى التوفيق والسداد، والعون والثبات على الحق حتى نلقاه، وصلى على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>