للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المسألة الثالثة في التربية: إحياء روح الاقتداء في نفس الشاب]

إن الذي ينقص كثيراً من المسلمين اليوم هو: القدوة: وكيف نبني قدوة؟ كيف نوجه قدوة؟ يلتمس الشاب قدوة يقتدي بها في المجتمع، فلا يجد إلا قليلاً نادراً، أو لا يجد.

القدوة التي تعمل بما تقول، القدوة التي يحس بها الشاب، لأن إلقاء المعلومات على الشباب لا يكفي، محاضرات ودروس دون أن يكون بينهم قدوة، أو رابطة بتعامل، أو رجل يتوجهون إليه فيجدونه مقتدياً برسول الله عليه الصلاة والسلام هذا أمره عظيم.

يقول أحد السلف: كنت إذا وهنت في العبادة، وكسلت فيها ذهبت إلى محمد بن واسع الأزدي، فنظرت في وجهه فتنشطت على العبادة أسابيع.

فقط في النظر هكذا.

ويقولون: كان محمد بن واسع إذا رُئي ذُكر الله.

ويقولون: إنه ما اتكأ، لا اتكأ على اليمين، ولا على اليسار، وإلا فالأمر فيه سعة فقد اتكأ عليه الصلاة والسلام على يمنيه وعلى يساره، لكن انظر العبرة.

قيل له: لماذا لا تتكئ؟ قال: أنا ما جزت الصراط فلا أدري هل أنا من أهل الجنة، أو من أهل النار، ولا يتكئ إلا آمن، وأنا لست بآمن كان إذا جلس وحده تربع وخشع في جلوسه، فقيل له: نراك معنا تتبسم كثيراً فإذا جلست وحدك انضبطت وخشعت، قال: في الحديث: {يقول الله: أنا جليس من ذكرني} فكان يذكر الله وهو جالس، هذا محمد بن واسع، وهو صاحب قتيبة بن مسلم يوم صفوا في حدود كابل، يوم أتى قتيبة بن مسلم -رفع الله منزلته- يفتح تلك المنطقة، وقبل المعركة بدقائق قال لقواده: التمسوا لي محمد بن واسع، العالم العابد خرج يجاهد في سبيل الله.

يقول ابن القيم:

بالليل عباد وعند لقائهم لعدوهم من أشجع الأبطال

خرج يجاهد في سبيل الله، عالم وعابد وزاهد.

قال قتيبة: التمسوا لي محمد بن واسع، ماذا يفعل في هذه الساعة؟ ساعة ضاقت، بلغت فيها القلوب الحناجر، غفر الله لـ قتيبة بن مسلم فأمره عجيب! كان يدخل المسجد ولا يخرج، يقولون: إذا أراد غزوة يدخل المساجد التي في الثغور، ثم يستقبل القبلة ووراءه القادة والجنود، وكان يرفع يديه ولا يخرج حتى يبكي ويُبكي القادة معه، يطلب النصر، ولذلك اجتاح تلك المناطق بإيمانه، ونصره الله، قال: التمسوا لي محمد بن واسع، فأتوا إلى محمد بن واسع، فوجدوه قد ركز الرمح وهو يشير بإصبعه يا حي يا قيوم! انصرنا، فعادوا إلى قتيبة فأخبروه قال: [[والله لإصبع محمد بن واسع خيرٌ عندي من ألف سيف شهير، وألف شاب طرير]] وانتصر المسلمون، وله قصة.

لكن الشاهد هنا: أنهم كانوا يرون وجهه فيتقوون على العبادة أسابيع، فكيف لو كان معهم، يخالطهم ويتكلم إليهم، كانت رؤية الصالحين تنفع في ذاك الوقت، لكن قَلَّ الأعوان، وذهب الإخوان، ولا نشكو حالنا إلا إلى الرحمن.

هذه مسألة أثر الاقتداء في تربية الشاب وأمرها عظيم، وإذا لم تجد قدوة تمشي، فعد بهم إلى القدوة الحقة أعني: محمداً عليه الصلاة والسلام.

تقول عائشة وقد سئلت عن خلقه صلى الله عليه وسلم: {كان خلقه القرآن}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>