وقال: جاء رجل من بني هاشم إلى عبد الله بن المبارك ليسمع منه، وأسرة بني هاشم أسرة النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أن يحدثه، يقول ابن المبارك: أنا لا أحدثك، فقال الشريف لغلامه: قم فإن أبا عبد الرحمن لا يرى أن يحدثنا، فلما قام ليركب فرسه، جاء ابن المبارك ليمسك بركاب الفرس، فقال: يا أبا عبد الرحمن! تفعل هذا ولا ترى أن تحدثني؟ قال:[[أذل لك بدني ولا أذل لك الحديث]] أنا أترجم لكم القصة.
الهاشمي هذا شريف من الأشراف السادة، جاء والطلاب فقراء عند ابن المبارك، فأراد هذا الشريف أن يأخذ ابن المبارك في مجلس خاص ويحدثه بالحديث، قال ابن المبارك: لا.
أنا لا أحدثك وحدك، اجلس مع الطلبة وأنا أحدثك معهم، فقام وقال: أنا استأذنك إذن، سبحان الله! بعض الناس فيهم الكبر، حتى أعرف أن من المسلمين من يمنعه كبره من حضور مثل هذه الندوات أو الدروس، يقول: أنا أحضر مع هؤلاء! لقد قرأت ترجمة رجل ترك صلاة الجماعة يقول: والله تركت صلاة الجماعة لئلا أزاحم السوقة بأكتافي، أنا أزاحم هؤلاء!!! فتجده يصلي في البيت، حتى بعضهم يسأل ويقول: من أين أتيتم؟ قالوا: من الدرس، قال: ما في هذه الدروس؟ قالوا: علم، أو فهم، أو توجيه عام، قال: لا بأس بها، لا بأس بها، والحمد لله أعطانا الله من علمه ما أعطانا!!
فلذلك يقول مجاهد:[[لا ينال العلم متكبر ولا مستحي]].
قال ابن المبارك: لا أعطيك، فخرج هذا الرجل الشريف، فأمسك ابن المبارك بركابه يهيء له الركاب لأنه من أسرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وحق علينا أن نقدر الطائعين من أسرته عليه الصلاة والسلام، {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}[الشورى:٢٣] قال هذا الشريف: تمنعني من الحديث الآن وتهيء لي ركابي، قال:[[أذل لك بدني ولا أذل العلم]] أو كما قال.
يقول ابن المبارك:[[السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة، ولا أقول أن أحداً منهم مفتون]] يقول: الذي وقع بين الصحابة في الجمل وصفين فتنة، لكن لا أقول لأحد منهم: مفتون؛ لأن الله عصم الصحابة في مجموعهم من الفتنة فليسوا بأهل فتنة رضي الله عنهم، بل كلهم -إن شاء الله- في الجنة، لكن أن نقول: أنهم مفتونون أو نخوض فيهم، فحذارِ حذارِ من هذا، وليس من السداد أن يتكلم الإنسان في أعراض الصحابة، أو يخوض فيما شجر بينهم فإن الله قد غفر لهم سيئاتهم، وتقبل منهم حسناتهم، أسأل الله أن يجمعنا بهم في دار الكرامة.