ثم قال:{وصلاة الرجل في جوف الليل، وتلا عليه الصلاة والسلام قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}[السجدة:١٦]} صلاة الليل قلّت في هذا الزمن، ونشكو حالنا إلى الله عز وجل، وسبب قلتها كثرة المعاصي وكثرة تمرسنا في المباحات وسهرنا الذي كله -إلا ما رحم ربك- ليس فيه منفعة، فكلما سهر العبد عطل عليه تلك الساعة التي يتنزل فيها ربنا سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى السماء الدنيا نزولاً يليق بجلاله فينادي: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من داع فأجيبه؟ فأوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً بهذه الوصية
قلت لليل هل بجوفك سر عامر بالحديث والأسرار
قال لم ألق في حياتي حديثاً كحديث الأحباب في الأسحار
فمن أحسن عبادة المسلم, وهي المربية للأرواح، والمكفرة للذنوب، والمنمية للإيمان قيام الليل, ولو كان نصف ساعة، وأقل ورد هما ركعتان، فداوم على ركعتين كل ليلة قبل صلاة الفجر يمنحك الله إيماناً ونوراً ويقيناً, ويسددك ويهديك سواء السبيل.
ولذلك يرى ابن الجوزي في صيد الخاطر أن من أعظم ما يربي الفرد المسلم قيام الليل، وهذا الذي أوصى به رسول الهدى صلى الله عليه وسلم, فقال ل عبد الله بن عمر يوم سألته حفصة:{نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل} فما كان ينام من الليل إلا قليلاً.
وقال لـ عبد الله بن عمر كما في الصحيح:{يا عبد الله! لا تكن كفلان كان يقوم الليل ثم ترك قيام الليل} فالله الله في هذه السنة التي تركت, وفي هذه الشعيرة العظيمة التي هجرت إلا عند من رحم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ويكفي العبد -كما ذكرت- أن يقوم ولو قليلاً من الليل, ويتهجد ويقرأ شيئاً من القرآن, ثم يختم ذلك بالاستغفار ويرفع يديه إلى علام الغيوب, الذي لا تغيب عنه الحوائج ولا ترد عنده المسائل، ولا تختلف عليه اللهجات، ولا تتنوع عليه الحاجات تبارك وتعالى، فيشكو إليه حاله وقلته وضعفه وذنوبه وسيئاته وخطاياه, فإذا لم يرحم الله فمن يرحم؟! وإذا لم يغفر فمن يغفر؟! وإذا لم يتب علينا فمن يتوب علينا؟!