فإن الناس الآن مستنزفون كثيراً في أرزاقهم، فهناك دخل عند كثير منهم لكنه ما يغطي الاستنزاف كما ذكرت، فتكاليف الهاتف باهضة على كثير من الأسر، وبعضهم يستدين ما يغطي به الهاتف, وكذلك الكهرباء والماء ونفقاتها, كذلك تذاكر الطيران فهي غالية على كثير من الناس, حتى إن بعضهم يسافر بالبر، فتبلغ قيمة التذكرة مئات, وبعضهم مضطر لأن يسافر، وأنا أعرف رجلاً بأسرته يراجع كل شهر المستشفى التخصصي في الرياض، فيسافر في كل شهر بتذكرة، فكم يغطي من التكاليف؟ وكم هو راتبه؟ وكم يحتاج في النزول في الفندق والسكنى وفي إيجار السيارات وفي الأخذ والعطاء؟ وهذه الأمور بشتى أنواعها التي تخص البلدية أو الجوازات أو المرور أو غيرها من النواحي والمنافذ، فكلها رسوم باهضة على كثير من الناس.
فالواجب أن يُنظر إلى المستويات الضعيفة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لـ عثمان بن أبي العاص في الصلاة كما في سنن أبي داود:{أنت إمامهم واقتد بأضعفهم} فالواجب أن يقتدى بالأضعف وأن ينظر إلى أقل الناس معيشة ومستوى.
أيضاً تعقيد الحياة المعيشية، وارتفاع متطلبات الأسرة، فإن المتطلبات -الآن- ليست كما كانت قبل عشرين أو ثلاثين سنة, وعندنا كبار السن يعرفون هذا، وهم مذهولون من هذه النعم، فالشباب الآن لا يرضى الواحد أن يبقى بالثوب الواحد سنة، وكان كبار السن الواحد منهم يبقى في ثوب واحد سنة وسنتين حتى يرقع الثوب جميعاً, فيكون كله رقعاً, ويذهب الثوب الأصلي الأول، وكانوا في وجباتهم لا يجدون اللحم إلا في السنة مرة في الأضحية فقط، أو إذا جاء ضيف نادر فيجتمع مائة من أهل القرية على ذبيحة واحدة وعندهم الخبز، ولا يعرفون الفواكه ولا اللحوم، ولا الخضروات ولا المعلبات, ولا الثلاجة ولا البرادة، ولا السخانة ولا الدفاية، ولا الحراثة ولا الحفارة، ولا الطيارة ولا السيارة ولا يعرفون شيئاً من هذه، فلذلك كانت مائة ريال تكفيه، أما الآن فأمام مقتضيات العصر لا يمشيه إلا أمر كبير لا بد له من رصيد ولا بد له من مال وإلا أصبح محرجاً أمام مجتمعه.