[الكلمة ما لها وما عليها]
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الأحبة في الله! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمَّا بَعْد:
فإن الكلمة تحكم الكون منذ البدء.
فسِّر وجود الكون يكمن في كلمة، أليس الخالق -تبارك وتعالى- يقول لخلقه: (كن فيكون) وبالكلمة نحيا.
أليست حياتنا سلسلة كلمات تحمل عقائد وشرائع وعهوداً ومواثيق وعقوداً وإجراءات وبالكلمة ندين؟
أليس مفتاح الإيمان كلمة أو عدداً من الكلمات؟
ألسنا نتعبد الله بكلمات؟
أليس نهاية المطاف كلمة أو عدداً من الكلمات؟
أوليس أنه قد تقتلنا كلمة واحدة، وترفعنا كلمة، وتخفضنا كلمة، وتبكينا كلمة، وترضينا كلمة، وتغضبنا كلمة؟
إذاً: فالكلمة سلطان لا ينازع في عالم البشر، فحين نفرح نخف إلى الكلمات نستسرها فرحتنا وبهجتنا وسرورنا، وحين تضيق علينا السبل ويتملكنا الكرب لا نجد إلا الكلمات، ننفس بها عن همومنا، ونفرج بها كربنا، فنجهر بالدعاء إلى الله القادر تارة، ونبث شكوانا للخلائق تارة أخرى، وكل ذلك بكلمات منثورة ومنظومة.
والأدب أيها الأحبة في الله! هو الكلمة في أرقى صورها الجمالية، وهو الشعر، والقصة، والرواية، والخطبة، والخاطرة، والمقالة؛ فما موقع أرقى أشكال الكلمة من حياتنا؟
إن موقعها في الصميم، وأمة بلا أدبٍ أمة بلا حياة، أمة جافة خاوية، وأدبٌ لا يمثل أمة أدبٌ جاف خاوٍ.
ودور الأدب في الحياة مما لا يجادل فيه، فإذا اشتدت الخطوب، وقطب الزمان حاجبيه، ففي الأدب ملجأ ومتسع، ونحن المسلمين نعتز دائماً بموقف الأدب من الرسالة الشريفة، حيث وقف الشعراء مع الرسول صلى الله عليه وسلم في ضيقه، ونصروه وآزروه ونافحوا عنه بتشجيع منه عليه أفضل الصلاة والتسليم.
ونحن نعتز كذلك بتراثنا الأدبي العظيم الذي نستجلي فيه وبه وقفات شرفية لأدبائنا وشعرائنا مع أمتهم، وقد ترك أُدباؤنا الأوائل نتاجاً عظيماً في صدر الإسلام وعهد الفتوحات، وتركوا لنا مثل ذلك بعد سقوط الأندلس، وخلال الحروب الصليبية، وفي هذا العصر وجد أدبٌ متميز واكب الأحداث العظام في الحربين العالميتين وفي فلسطين وأفغانستان وغيرهما، وكما نلمسه هذه الأيام مواكباً للأحداث المؤلمة الحاضرة.
أيها الأحبة في الله: لتجلية أكثر لدور الأدب في معايشة النكبات، دعاكم النادي الأدبي في الرياض إلى هذه المحاضرة التي تسعدنا جميعاً أن يتحدث إلينا فيها مفكرٌ وأديب إسلامي هو الشيخ: عائض القرني.