[من قصص القرآن في البعث والنشور]
اسمع إلى أحسن القصص في قضية البعث والنشور، قضية الطامة الكبرى {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:٢٥٩] هذا رجل من بني إسرائيل قيل: إنه رجل صالح، وقيل: إنه نبي على اختلاف بين المفسرين، والمقصود أنه مر بحماره على قرية بين بيت لحم وبيت المقدس، وكان عهده بالقرية أنها حية، أطيارها وحيواناتها وبشرها وحدائقها وبساتينها، ولكن الله عز وجل أهلك من فيها، فنظر إليها وقلب طرفه في السماء وضرب يمناه بيسراه وقال: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} [البقرة:٢٥٩] فأراد الله أن يجري قضية الإماتة والإحياء عليه، قال بعض العصريين: أدخله الله بحماره المختبر.
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة:٢٥٩] ميتة لا حركة فيها ولا حياة {قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} [البقرة:٢٥٩] قال بعض المفسرين: أماته الله ضحى، وبعثه بعد مائة سنة في وقت العصر، فلما انتبه عصراً؛ ظن أنه ما نام إلا من الصباح إلى العصر، فقيل له: كم لبثت؟ قال: لبثت يوماً -ثم استدرك- فقال: أو بعض يوم.
فقال الله له: {قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ} [البقرة:٢٥٩] وكان عنده في خرجه على حماره طعام -الله أعلم به- ومكث الطعام عنده مائة سنة ولم يتغير، فسبحان الذي ما غير الطعام ومن طبيعته أن يتغير! وسبحان من أمات هذا في لحظة وأحياه بعد مائة سنة وقد بلي!
ثم أحياه الله قال: {كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِك >) [البقرة:٢٥٩] كان حماره ميتاً فلما قام بحث عن حماره فوجد الجلد أصبح بالياً متقطعاً على التراب، فقال: أين الحمار؟! فأراه الله أنه قد أصبح في عالم آخر وأصبح رفاتاً ليريه الله عز وجل كيفية الإحياء، فركبه الله بكلمة "كن" {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] ركب العظام أمامه، ثم قال للحم: كن لحماً فكسا العظام لحماً، ثم ركب الجلد على الحمار، ثم نفخ الروح في الحمار فهز رأسه ومشى، ثم قال: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٥٩] أي انتبه لا يخالجك شيء من شك أو ظن أو أوهام أو حدس: {أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة:٢٥٩] وأن الله سوف يبعث من في القبور وأن هذه القضية الكبرى هي التي أتت بها الأنبياء والرسل بعد التوحيد.
القرآن يقرن كثيراً بين التوحيد والإيمان باليوم الآخر؛ لأنها القضية التي إذا ما رسخت في القلوب والعقول صلحت الأمة بإذن الله.
خرج إبراهيم عليه السلام إلى ضفاف نهر -قيل: دجلة، وقيل: غيره- فرأى بقرة منحورة على شاطئ الماء وقد أتت النسور والغربان والذئاب والكلاب تأكل من هذه الفريسة، قال: يا رب! أنت تعيد الخلق يوم القيامة، وكذلك الحيوانات، فكيف تعيد هذه البقرة؟! فقد أصبح لحمها في بطون السباع والكواسر من الطيور، فلما قال ذلك؛ ذكر الله قصته، فقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} [البقرة:٢٦٠] هو لم يشك لكن يقول كما قال عليه الصلاة والسلام: {ليس الخبر كالمعاينة} وعند البخاري في كتاب الأنبياء يقول عليه الصلاة والسلام: {نحن أحق بالشك من إبراهيم عليه السلام} والمعنى عند المحدثين على طريقتين:
قيل: لو كان يشك فمن باب أولى أن نشك نحن؛ لأننا أقل إيماناً منه وهذا على وجه التواضع، فهو لم يشك إذاً.
وقيل: ما دام أنه خاطر قلبه هذا الوارد، فنحن لا نأمن على قلوبنا أن يأتينا مثله.
والمعنى الأول هو الصحيح {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى -يعني آمنت- وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة:٢٦٠] قال الله: {فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} [البقرة:٢٦٠] قيل: ضمهن وقال بعضهم: قطع رءوسهم، فقطع الطيور ولا يهمنا أن تكون كما قال صاحب الخازن وغيره: وزاً أو بطاً أو حماماً أو دجاجاً
خذا جنب هرشى أو قفاها فإنه كلا جانبي هرشى لهن طريق
المقصود أنها طيور حية قطع رءوسها وأخذ الرءوس في يده ونثر لحومها وريشها وأجنحتها ودماءها على الجبال ثم نزل في السهول، وقال: تعالي بإذن الله؛ فأتى العظام والريش والأجنحة وتركب كل جزء من أجزاء الطائر ثم طارت قال الله: {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:٢٦٠].