للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الدعوة في القرآن على قسمين]

ذكر الله عز وجل الدعوة في القرآن سلباً وإيجاباً، فالإيجاب مدح الدعاة وحثهم على الدعوة، قال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥] وقال سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت:٣٣] وقال سبحانه: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [يوسف:١٠٨] وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:٦٧] هذا إيجاب، قل فادعُ إلى الله وتكلم وتحدث وانزع الوسوسة عنك.

وقال عن السلب وهو الإنكار على من كتم: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٥٩ - ١٦٠] وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {من كتم علماً، ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة}.

ما فائدة العلم إلا أن تنصح وتعظ وتتحدث، ولا تقل أكثرت، أهل الباطل صباح مساء يطبلون ويرقصون ويغنون، مع أن أهل الحق قليل، وفي بخل عظيم بدعوتهم، وفي انهيار عجيب وفي فتور، ونشكو حالنا إلى الله.

ويقول عليه الصلاة والسلام: {نضر الله امرأً سمع مني مقالة فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} نَضَّر أي: جعل على وجهه بهاءً ونضرة وجمالاً، يقول أحد المحدثين:

أهل الحديث طويلة أعمارهم ووجوههم بدعا النبي منضرة

وللغماري رسالة اسمها المسك التبتي في شرح حديث نَضَّرَ الله امرأً سمع مني مقالتي.

والتِبْتْ: هضبة في الهند تنبت الطيب، فيريد أن يصف المحدثين بالطيب، فجعل عنوان رسالته: المسك التبتي في شرح حديث نضر الله امرأً سمع مني مقالتي، إذا علم هذا فعند ابن حبان بسند صحيح: {نضر الله امرأً سمع مني مقالتي فوعاها، فأداها كما سمعها، فرب مبلغ أوعى من سامع} وصح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} يقول الحارث بن مسلم أحد الصحابة الأخفياء الأتقياء، لا يُعرف كثيراً، لكنه تقي خفي حفي عند الواحد الأحد يقول: {خرجنا في غزوة مع الصحابة، فأراد الصحابة أن يبيتوا أهل قرية -أي يمسوهم في الليل- فيأخذوا غنائمهم قال: فوفدت إلى أهل القرية وحدي في الليل، فجمعت أهل القرية وهم مشركون، وقلت: إن أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام سوف يأتونكم، فإذا أتوكم فقولوا: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فلما أتى الصباح أتاهم الصحابة فطوقوهم، فقال أهل القرية: نشهد أن لا إله إلا اله وأن محمداً رسول الله، قالوا: من علمكم هذه الكلمة؟ قالوا: الحارث، فقال: الصحابة ما تركتنا ننال غنيمة -لأنهم في الأصل مشركون- فعادوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام، فشكوا إليه الحارث بن مسلم فدعاه عليه الصلاة والسلام قال: فرأيت وجهه يتهلل كالقمر، قال: فدعاني وبرّك عليّ وأخذني بيده، وقال لي قولاً جميلاً، وقال: ألا أدلك على شيء تقوله بعد الفجر وبعد المغرب، إن قلته لا تمسك النار إن شاء الله -أو كما قال عليه الصلاة والسلام- قلت: بلى يا رسول الله، قال: إذا صليت المغرب، وإذا صليت الفجر؛ فقل بعد كل صلاة سبعاً: ربِّ أجرني من النار} وفي لفظ: {اللهم أجرني من النار} هذه جائزة له؛ لأنه فعل الخير، والحديث صحيح.

<<  <  ج:
ص:  >  >>