[القراءة المكثفة وأهميتها]
أحد المشايخ كان يدرس الروض المربع في المسجد، فأتاه بعض الشباب يحاورونه من الشباب التقليديين المتطورين ولكنهم من المتهكمين، فقال: يا شيخ! الناس صعدوا على سطح القمر وأنت لا زلت تدرس الروض المربع! فقال الشيخ له: أنت ما صعدت على سطح القمر ولا قرأت معنا الروض المربع؛ لأن هؤلاء الشباب الذين يتهكمون بالاستقامة والندوات لم يقدموا شيئاً، يقول: الناس قد بلغوا التكنولوجيا والذرة وسطح القمر وأنتم ما فعلتم شيئاً.
يقول: أما أنتم فالحمد لله، أخذتم من الكفار كل سيئ؟! وما أخذتم كل حسن، فالسيجارة أخذتموها من الخواجة، والكعب العالي، والثوب المسبل، والشعر الملفوف والعقائص والغدرات، والفجرات، والسوالف، والأظافير، التي كأنها أظافير مربيات في اليونان، كل هذه أخذتموها، لكن هل صنعتم لنا طائرة؟ هل قدمتم لنا صاروخاً ندمر به إسرائيل؟ هل قدمتم لنا دفاية وسخانة وثلاجة وبرادة؟! لا والله.
أما الخواجات فلهم سيئات لكنهم قدموا خدمة للبشرية، قدموا معامل ومصانع ومنتجات، وملبوسات ومطعومات، ولكن أنتم لا جلستم معنا على الأرض تقرءون الروض المربع، ولا صعدتم على سطح القمر تنتجون للناس، فأنتم مذبذبون لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
فإما أن تكون أخي بصدق فأعرف منك غيثي من سميني
وإلا فاطرحني واتخذني عدواً أتقيك وتتقيني
فإني لو تخالفني شمالي ببغض ما وصلت بها يميني
إذاً لقطعتها ولقلت بيني كذلك أجتوي من يجتويني
النفاق لا يصلح في الإسلام، والتهجم والاستهزاء على المنهج القويم وعلى الرسالة الخالدة التي أرساها محمد صلى الله عليه وسلم ومات دونها الرجال لا يصلح، فإنه نفاق وكفر: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦].
ثم أدعوكم إلى القراءة المكثفة، فالثانويات والمعاهد والمتوسطات والكليات، تعطيك مفاتيح للعلم، لكنها لا تخرج عالماً، إلا في النادر، نعم.
تفتح لك السبل والوسائل والطرق الاستقرائية التجريدية في البحث والاستقراء والاطلاع، لكنها تتركك لتطلع أنت، فهل اطلعنا وهل قرأنا؟!
هل كان لأحدنا مكتبة بصرية ومكتبة سمعية في البيت، يجلس في غرفته ويغلق عليه الباب ليجلس مع العلماء والفقهاء والأدباء والأذكياء، يعود بعد هذه الجلسة وقد زاد علماً إلى علمه وفهماً إلى فهمه، يوم تركنا ساعة المكتبة أصبحنا عاجزين، مفهومات عادية يفهمها السذج من الناس ونحشي الذهن لكن ما يفهمه كل الناس، لكن من يجلس في مكتبته يجلس مع ابن تيمية والإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة والشافعي وابن القيم، مع هؤلاء الأعلام فيستفيد علماً إلى علمه.
فالاطلاع الضخم -يا أيها الإخوة- تمشي وكتابك معك، أنا لا أقول لك: إن هذا أمراً قسرياً جبرياً لا.
فللنفس حق من الترويح المباح، من الدعابة الطيبة، والجلسة الأخوية فهذا أمر، فالاطلاع الاطلاع المكثف.
والذي ينبغي علينا أمور: أن نحل المصحف مكان المجلة الخليعة، وآيات الله وكلام رسوله مكان الأغنية الماجنة، ورفقة الخير والبر مكان رفقة السوء والانهدام والفشل، فهذا لا بد منه.
وفي الختام أشير إلى أمور ثلاثة:
الأمر الأول: القدوة، من هو قدوتك في الفصل والمجتمع؟ أما القدوة العامة لك في الليل والنهار وفي كل مكان هو الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن قدوة تنظر إليها وتأخذ منها سلوكك هو الرجل الداعية والأستاذ الموفق المخلص الصادق، هذا أمر.
الأمر الثاني: من هم رفقاؤك وجلساؤك؟ هل هم كل من يتقي الله؟ وإذا رأيت الطالب والشاب يرافق أعداء الله عز وجل والفجرة، فاعلم أن قلبه فاجر، وأنه ما اهتدى إلى الآن، كيف تحب أعداء الله، وكيف توالي من لا يوالي الله عز وجل.
الأمر الثالث: واجبنا في عبادتنا أن نختمها بالتوبة والاستغفار دائماً وأن نكثر من الاستغفار والتوبة الصادقة في حياتنا، قال تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥].
قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣].
يا إخوتي في الله! لا أريد الإطالة لأنه قد يكون هناك وقت للنقاش والحوار، ولكن في ختام هذه الجلسة أكرر شكري لمن توجه بهذه الدعوة، ولمن كان من مهمته تربية هذا الجيل، ولمن كان حريصاً في توعية الشباب، مديراً وأساتذة، وأتوجه إليكم بالشكر طلاباً وتلامذة، وأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.