[قدم الشائعة]
الشائعة -أيها الفضلاء- قديمه، عرفها الجاهليون قبل الإسلام وتناقلوها، وعاشها بعض الناس، وذكر أهل الأدب كـ ابن قتيبة وغيره أن النعمان بن المنذر -الملك الجاهلي الغساني- وشي إليه بـ النابغة الذبياني الشاعر، وأخبروا هذا الملك أن ذاك الشاعر تعرض لحرمه، وتغزل في زوجته، فغضب الملك، وتهدده بالقتل، وأهدر دمه في قبائل العرب، فضاقت الأرض بما رحبت بذاك الشاعر، وأخذ يمضي في الليل وينام في النهار، ورأى أن الحل السليم أن يفد إلى الملك، وأن يطرح نفسه عليه، لكن بقصيدة رائعة بديعة يعتذر فيها، والحقيقة أنها من أمهات الشعر العربي، ومن أحسن ما يقال فيه، فوفد عليه وجلس بين يديه، وقال له:
أتاني أبيت اللعن؛ وكلمة أبيت اللعن: تحية يحيي بها الجاهليون بعضهم بعضاً، كان يقول السوقي للملك: أبيت اللعن؛ يعني: أعوذ بالله أن أستوجب لعنة أو شيئاً يوجب عليَّ لعنة الملك.
فقال:
أتاني أبيت اللعن أنك لُمتني وتلك التي منهنَّ قد كنت أنصبُ
يقول: سمعت أنك تهددني لتقطع رأسي، وهذه خوفتني.
فبت كأن العائدات فرشن لي فراشاً به يعلو فراشي ويقشب
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةً وليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني وشاية لمبلغك الواشي أغش وأكذب
ولست بمستبقٍ أخاً لا تلمّه على شعث أيَّ الرجال مهذب
فإنك شمسٌ والملوك كواكبٌ إذا طلعت لم يبدو منهن كوكب
فرضي عنه، وفي المجلس الآخر اعتذر بقصيدة أخرى ليبرئ قلب ذاك الملك عليه تماماً، وهي رائعة، وأوردها صاحب أضواء البيان الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، في أول التفسير، وهي مما يستملح بها في مجالس الدرس، يقول:
كليني لهمٍ يا أميمة ناصب وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب
يصف معاناته في أثناء لصوق الشائعة به، وما يعيشه من آلام وأسىً ولوعة.
كليني لهمٍ يا أميمة ناصبي وليلٍ أقاسيه بطيء الكواكب
تطاول حتى قلت ليس بمنقضٍ وليس الذي يرعى النجوم بآيب
وصدرٍ أراح الليل عازب همه تضاعف فيه الحزن من كل جانب
حلفت يميناً غير ذي مثنويةٍ ولا علم إلا حسن ظنٍ بصاحب
فرضي عنه أيضاً.