قال أنس:[[مرض صلى الله عليه وسلم يوم الخميس]] ويقول ابن عباس وهو في الحرم، وهو يقلب الحصباء بيديه: يوم الخميس، وما يوم الخميس!! ثم يبكي حتى يرثي له جلساؤه، ثم يعود فيرفع رأسه، ويقول: يوم الخميس وما يوم الخميس!! ثم يبكي حتى يرثي له جلساؤه، قال: يوم الخميس بدأ بالرسول صلى الله عليه وسلم مرضه، فلما مرض صلى الله عليه وسلم في يوم الخميس، أراد أن يقوم لصلاة الظهر فثقل صلى الله عليه وسلم، فقام من على فراشه لأنه سمع الأذان فسقط بأبي هو وأمي على الفراش، فقام مرة ثانية فسقط، فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس.
فأتى بلال فقال: الصلاة يا رسول الله؟ فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فأخذ بلال يبكي، ويقول: الله المستعان! أول يوم من الأيام يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر وأول يوم يتوقف ذاك النبع الفياض، وذاك النور الذي يرى دائماً في المحراب يؤم الناس، مسئول البشرية وهادي الإنسانية يقف أمام الصفوف وهو الرحمة المهداة، والنعمة المسداة ويتعطل عن العطاء وعن الأخذ، وعن البذل، وعن التعليم والتوجيه، إن في الأمر شيئاً، كأنه يراد أن يقبض إلى الله تعالى.
فتقول عائشة وهي تبكي وتجعل الخمار على وجهها رضي الله عنها وأرضاها: يا رسول الله! إن أبا بكر رجل أسيف -يعني كثير الحزن ما يستطيع أن يقرأ بالناس، كان يقرأ الفاتحة فيقطعها بالبكاء، لا يستطيع أن يتمها - فمر غيره يا رسول الله! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال:{إنكن صويحبات يوسف -وفي لفظ- صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس!!} فخرج بلال ينادي أبا بكر رضي الله عنه، وقال: يا أبا بكر قم صل بالناس، يأمرك صلى الله عليه وسلم أن تصلي بالناس، فدمعت عينا أبي بكر رضي الله عنه، لأنه علم أن في الأمر شيئاً، وقال: الله المستعان!
فقام يصلي بالناس، قال أنس:{فلما دخلنا في الصلاة كشف صلى الله عليه وسلم الحجاب، وهو قطعة من قماش على باب غرفته صلى الله عليه وسلم، وغرفته في الروضة، تشرف مباشرة على المحراب الذي كان يصلي فيه صلى الله عليه وسلم، قال: فالتفتنا بأبصارنا إليه صلى الله عليه وسلم فرأينا وجهه، كأنه ورقة مصحف، وهو يتبسم إلينا صلى الله عليه وسلم، فظننت أنه لما تبسم يريد أن يخرج، قال: فكدنا نفتتن في الصلاة -كادوا يقطعونها من الفرحة- فأشار النبي صلى الله عليه وسلم أي مكانكم، ثم أرخى الحجاب} وتبسمه صلى الله عليه وسلم كأنه فرح وسر بهذا المنظر العجيب، منظر هؤلاء الذين كانوا وثنيين لا يعرفون الله، وكانوا يسجدون للحجارة، ويعبدون التمر، وكانوا كالأنعام والبهائم، ثم أخذهم صلى الله عليه وسلم بفضل من الله ورحمة؛ فزكاهم ورباهم ووجههم وعلمهم، ثم قاموا صفوفاً، كل إنسان منهم أمة من الأمم، فيتبسم صلى الله عليه وسلم لهذا الموقف.