ابن المبارك يسميه الذهبي من المحسنين أو من المقتصدين، في الشعر أبياته قليلة لكن أبياته من أبيات أهل السنة والجماعة التي تخرج من الكتاب والسنة، ولذلك قيل له: أي المجالس تنصحنا بالجلوس فيها؟ قال:
من كان ملتمساً رفيقاً صالحاً فليأت حلقة مسعر بن كدام ِ
فيها النزاهة والوقار وأهلها أهل العفاف وزينة الأقوامِ
يقول للناس: إن كنتم تريدون جليساً صالحاً فعليكم بـ مسعر بن كدام أحد العباد الأولياء يجلس في المسجد، قالوا: ما نظر في حياته إلى السماء خوفاً من الله، هذا مسعر بن كدام الذي يتقرب بحبه إلى الله عز وجل وله جلالة عجيبة في القلوب، كانت أنفاسه كلها ذكر، كان يخرز الثوب -عنده إبرة أو يخيط الثياب- يقول تلاميذه: ما رأيناه بين رقعتين إلا ويذكر الله عز وجل يعني بين أن يدخل الإبرة ويخرجها إلا ويذكر الله، كان إذا استفتي في مسألة، أخذته رعدة وانتفض خوفاً من الله عز وجل، ويقول:"والله كأني أنظر عرش الرحمن بارزاً، وكأن الله جمع الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وهو يخاطبهم رب العزة سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
كان يتكلم بالكلمات القليلة لكنها تنفذ إلى القلوب مباشرة، قيل له: اتكئ -يعني حتى ترتاح- لأنه أصبح شيخاً كبيراً عجوزاً، قال: "أنا لست بآمن أنا خائف وإنما يتكئ الآمن" قالوا: دائماً كان لا يتكئ، وكان يجلس من الخوف، فقيل له اتكئ قال: "إنما يتكئ الآمن أما أنا فخائف ما أتاني الأمان من الله أني من أهل الجنة".
وقال عنه الحسن: "أقسم مسعر ألا يضحك من خشية الله، فوالله ما ضحك حتى لقي الله" ونحن لا نقول للناس: لا تضحكوا، ولا تمزحوا، فإن الميزان محمد صلى الله عليه وسلم وهو القدوة، وأما بنيات الطريق فخذ واترك، لكننا نسرد لكم حال السلف، أو بعض حال السلف الذين بلغوا من السمو ومن الخشية إلى هذه الدرجة، فـ ابن المبارك من الجلساء يوصي بهم في هذا الجانب.