للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[التوبة والاستقامة]

السؤال

فضيلة الشيخ: استقمت ثم انتكست ثم استقمت مرة أخرى ولكني فقدت حلاوة الإيمان التي وجدتها من قبل، وإن الشيطان -أعاذنا الله منه- يوسوس عليّ؛ لكي أرجع إلى الفساد وجلساء السوء, ويقول لي: إنه ختم على قلبك وإنك منافق تخادع الله.

وأريدك أن تخبرني بالأعمال التي تجعلني أجد حلاوة الإيمان وتذهب القسوة من قلبي، كما أريد أن تدعو لي ولإخوتي بالثبات؟ وسؤال مماثل أيضا نود أن نسمع من فضيلتك بعض نماذج لشباب كانوا مضربَ مثلٍ في التوبة والرجوع إلى الله؟

الجواب

السائل الأول يسأل أنه يستغفر ثم ينتكس، ثم يستغفر ثم ينتكس، وباب التوبة مفتوح حتى تطلع الشمس من مغربها، ومن قال لك ومن أخبرك: أنك تحرم التوبة فقد افترى على الله -عز وجل- والله -عز وجل- كما صح في صحيح مسلم من الحديث القدسي: {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم} والله يقول في محكم كتابه: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣] وقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥].

يارب عفوك لا تأخذ بزلتنا وارحم أيا رب ذنباً قد جنيناه

كم نطلب الله في ضر يحل بنا فإن تولت بلايانا نسيناه

ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا فإن رجعنا إلى الشاطي عصيناه

ونركب الجو في أمن وفي دعة وما سقطنا لأن الحافظ الله

الله الله يا شباب الإسلام في مراقبة الواحد القهار، الله الله في العودة إليه، فإنه يعلم السر وأخفى, باب التوبة لا يزال مفتوحاً, وعند الترمذي بسند حسن: {يابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}.

وعند ابن حبان حديث عائشة أن عبد الله بن حريب: {قال: يا رسول الله إني رجل مقراف للذنوب قال: تُب إلى الله واستغفره، قال: فأعود، قال: تُب إلى الله واستغفره، قال: فأعود، قال: تُب إلى الله واستغفره، قال: إلى متى يا رسول الله؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المدحور}.

إنك لن تزال تخطيء لكن العجيب أن تتوب، أما الذي يهلك نفسه بالخطايا ثم لا يعرف لله قدراً ولا قيمة ولا مراقبة: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً * أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجاً} [نوح:١٣ - ١٦] فيا إخوتي في الله! الله الله في محاسبة النفس والعودة إلى الواحد الأحد ليحمي علينا -سُبحَانَهُ وَتَعَالَى- أبصارنا وأسماعنا ومجدنا وأصالتنا وكرمنا، وأسجل هذه الليلة وصية الرسول عليه الصلاة والسلام يوم دفعها ساخنة قوية لـ ابن عباس: {احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة}.

أما الأخ الذي سأل أن يعطى له نماذج، فأنا آخذ له على عجالة قطوفاً من رياض السنة.

سامحن بالقليل من غير عذل ربما أقنع القليل وأرضى

يقول عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين: {كان رجل فيمن كان قبلكم -من بني إسرائيل- أسرف على نفسه بالخطايا, فلما حضرته الوفاة؛ أمر أبناءه أن يجمعوا له حطباً وأن يحرقوه بالنار} كان موحداً مؤمناً بالله، لكن أسرف بالخطايا والمعصية والذنوب {ثم قال: فإذا أنا مت فأحرقوني بالنار واسحقوني وذروني علّ الله ألا يجدني} سبحان الله! الله لا يجده: {هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئاً مَذْكُوراً * إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [الإنسان:١ - ٢].

{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس:٧٨ - ٧٩].

سحقوه بعد أن أحرقوه, فأخذته الريح في كل مكان، فجمعه الذي أنشأه أول مرة: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس:٨٢] ثم أصبح أمامه رجلاً والحديث في الصحيحين، قال: {يا عبدي ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك وخفت ذنوبي، قال: يا ملائكتي أشهدكم أني غفرت له، وأدخلته الجنة} فلا إله إلا الله كم من المغفرة، ولا إله إلا الله كم من الرحمة، ولا إله إلا الله كم من العطاء.

إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار

وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقني من النار

هذه وصية لكل مسلم, وهي معلومة باليقين والإجماع أن من تاب تاب الله عليه.

تأتي المرأة وقد زنت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فتقول: طهرني يا رسول الله! فيطهرها بالحجارة حتى تموت، فيسبها أحد الصحابة، فيقول عليه الصلاة والسلام: {لا تسبها والله إني أراها تنغمس في أنهار الجنة}.

سبحان الله! يا للعطاء ويا للرحمة ويا للفيض، ويا للجلال ويا لسعة رحمة الله, من يغفر الذنب إلا الله, من يستر العيب إلا الله, من يجازي على السيئة الحسنة إلا الله، لكن من يعرف قدر الله إلا عباد الله: {يا عبادي إنكم تذنبون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم} اللهم إنا نستغفرك من هذا المكان فاغفر لنا يارب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>