للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أصناف المهتدين]

أما قوله: {اللهم اهدني في من هديت} فإن الله هدى أربعة أصناف من الناس لا خامس لهم، والذي لا يسلك مسلكهم فليس من الهداية في شيء: الأنبياء، والشهداء، والصديقون والصالحون.

أما الأنبياء والرسل فهم قادة العالم، وهم الذين يسيرون سفينة الحياة، ويوصلون الخلق بالخالق، وهم الذين يعلِّمون أسرار الوحي للبشرية، وهؤلاء انتهى أمرهم وخاتمهم وخيرهم محمد صلى الله عليه وسلم، فلا يجوز لك أن تقول: اللهم اجعلني من الأنبياء أو الرسل، فإن هذا من التعدي في الدعاء.

وأما الصديقون: فهم أناس كدرجة أبي بكر الصديق، أصبحت أنفاسهم لله، ودموعهم ودماؤهم وأموالهم لله، فليلهم ونهارهم لله، فهم لله، فبه يسمعون، وبه يبصرون، وبه يبطشون فهم كلهم: حركاتهم وسكناتهم لله:

يطالب بالأوراد من كان غافلاً فكيف بشهم كل أيامه ورد

إن كان سركم ما قال حاسدنا فما لجرح إذا أرضاكم ألم

وقال آخر:

متيم بالندى لو قال قائله هب لي فديت كرى عينيك لم ينم

وقال آخر في معالي الدنيا فكيف بمعالي الآخرة:

أتاني المعالي وهو ضيف أحبه فأطعمته لحمي وأسقيته دمي

وهذا من الأولياء كما فعل أبو بكر الصديق، فإنه أطعم الإسلام لحمه، وسقى الإسلام دمه، وكان في كل لحظة مع الإسلام فالإسلام أبو بكر وأبو بكر هو الإسلام، فأصبح صديقاً، رجف جبل أحد ورسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ومعه أبو بكر وعمر وعثمان، فقال: {اثبت أحد فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد} فكان النبي هو صلى الله عليه وسلم، والصديق أبو بكر، والشهيد عمر وعثمان.

وأما الشهداء فأناس أتوا إلى الله عز وجل بأرواحهم في أكفهم، فباعوها في سوق الربح، بأغلى الأثمان، فعوضهم الله الجنة، وجازاهم أنه يكلمهم كل جمعة في الجنة، وهم يجلسون إما على منابر من نور أو على كثبان المسك، فيخاطبهم مباشرة ويتعرض لأيامهم في الدنيا، فيذكرهم بأيامهم وأزواجهم وأبنائهم في الدنيا كل يوم جمعة، وهو يوم المزيد.

وأما الصالحون فهم: المصلون، الصائمون، العاكفون على طاعة الواحد الأحد، أولياء الله الذين يحبون دينه وأولياءه وينصرونه ويغضبون له، ويغتاظون على محارمه، ويحبون أن ينتشر الإسلام، وأن ترتفع كلمة الله، أما غيرهم فخاسرون.

وانقسم الناس أمام الهداية في قوله: {اهدنا فيمن هديت} إلى أربعة أقسام:

الأول: قوم فعلوا المأمور وتركوا المحذور وهم أولياء الله.

الثاني: قوم فعلوا المأمور والمحذور وهم الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً.

الثالث: قوم تركوا المأمور والمحذور وهم الصابئة والمجوس.

الرابع: قوم تركوا المأمور وفعلوا المحذور وهم الزنادقة والملاحدة.

هذا في مسألة: {اهدنا في من هديت}.

<<  <  ج:
ص:  >  >>