[ذكر الموت في الكتاب والسنة]
الحمد لله الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً، واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، صلى الله وسلم على حامل لواء العز في بني لؤي، وصاحب الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المؤيد بجبريل، المذكور في التوراة والإنجيل، المعلم الجليل، صلى الله وسلم عليه كلما تضوع مسك وفاح، وكلما ترنم طير وصاح، وكلما شدا حمام وناح.
لا إله إلا الله الذي كسر بالموت ظهور الأكاسرة، وقصر بالموت آمال القياصرة الذين طغوا وبغوا وفجروا حتى أرداهم ظلمهم في الحافرة، أخرجهم من القصور والدور وأقعدهم في القبور، فهل تسمع لهم كلاماً؟ سكتوا فتركوا فما نطقوا:
دع ذكر ليلى والرباب وابك لأيام الشباب
وانتظر الموت فما أقربه من كل باب
زر القبور مرةً إن بها خير الصحاب
كم ملك في لحده تيجانه ذاك التراب
لم يصطحب من ملكه وماله حتى الثياب
قصوره من بعده صارت خراباً في خراب
قد وجدوا ما وعدوا من العقاب والثواب
فهل أخذت عدة من التقى قبل الذهاب
وهل لبست لأمةً من كل فضل وصواب
آهٍ لدنياً زخرفت دنيا الأفاعي والكلاب
قد اشتراها مفلس بدينه فما أصاب
إن كان لي من شكر فأشكر الباري تبارك وتعالى الذي جمعني بهذه الوجوه الساجدة العابدة المتألقة بنور الإيمان، التي غرست في قلوبها لا إله إلا الله، قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:٢٤ - ٢٥].
في أجساد عمرت على التقوى إن شاء الله قال تعالى: {أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [التوبة:١٠٩].
ثم أشكر لكم فضلكم وحضوركم وبارك الله فيكم، ثم أشكر المعهد العلمي بـ الطائف على رسالته الجليلة وعلى رأسهم مدير المعهد فضيلة الشيخ محمد بن عائض القرني والأساتذة الفضلاء والطلاب النبلاء.
موضوع المحاضرة: وجاءت سكرت الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد.
ذاق الموت محمد صلى الله عليه وسلم فشربه كما يشربه الناس، ومات كما يموت الإنسان، وذهب كما يذهب الإنسان، وذاق الموت نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام، ومات فرعون وهامان وقارون كلهم أقعدوا في الحفر، لكن إما روضة من رياض الجنة وإما حفرة من حفر النار:
والموت فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه
فإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال به فلا يشتبه
والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران
إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده
وإن يكن شراً فما بعد أشدّْ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّْ
{وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:٩٤] هذه المحاضرة تدور على ست مسائل:
أولها: ذكر الموت في الكتاب والسنة وعند العارفين.
ثانيهاً: الأنبياء ومعايشتهم للموت عليهم السلام.
الثالثة: الصالحون في سكرات الموت.
الرابعة: النادمون في سكرات الموت.
الخامسة: وصف الموت.
ما هو الموت؟ ما لونه؟ ما طعمه؟ ما مساغه؟ كيف يذاق؟
السادسة: الاستعداد للموت.