ولو سئل الناس التراب لأوشكوا إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
التراب -وهو تراب- لو سألت الإنسان كل يوم مد تراب لمنعك، يقول: في هذا التراب سر ولعل فيه ذهباً، فالإنسان شحيح وأكرم الأكرمين هو الله، يطعم الفاجر ويسقيه ويعطيه، ويسكنه ناطحات السحاب وهو كافر.
وقرأت في ترجمة إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام أنه كان له عبدان رقيقان يرسلهما مع صلاة المغرب، ويقول: أوقدا ناراً عظيمة، وقد كان إبراهيم عليه السلام كريماً، وكان عند الضيافة يروغ، قال تعالى:{فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ}[الذاريات:٢٦] والضيوف قليل جاء بعجل فيقول لرقيقه: من أتى منكم بضيف فهو حر لوجه الله.
فتصور حرص هذا المولى على أن يجد ضيفاً، فوجد ضيفاً كافراً فأتى به، فأدخله على إبراهيم عليه السلام، وصحفة إبراهيم دائماًُ مليئة بالطعام المبارك وباللحم، وقربه إبراهيم وقال: قل بسم الله! قال الكافر: ما أعرف بسم الله!
وهذا سيد التوحيد، ورئيس قسم العقيدة، يقول الكافر: ما أعرف بسم الله قال إبراهيم عليه السلام: والله لا تأكل لقمة، كيف لا تعرف بسم الله الذي أقام السماوات والأرض:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً}[الفرقان:٦٠] فأخذ عصاه وخرج، فأوحى الله إلى إبراهيم، عجباً لك يا خليل الرحمن! هذا الكافر أطعمته وأسقيته سبعين سنة وأنت ما أطعمته ليلة.
من الذي أطعمه في عمره؟ الله.
فسبحان الجواد الكريم!
قال الله تعالى في البخلاء:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}[الحديد:٢٤] بعض الناس بخيل من درجة ممتازة، البخل مركب فيه يرثه أباً عن جد بسند قوي، فهو بخيل، وأبوه بخيل، وجده بخيل، فتجد البخل يجري في دمه، فيقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ}[الحديد:٢٤] وتجد بعض الناس يلقي محاضرات في البخل، ويوصي جيرانه وجماعته، يقول لأحدهم: عليك بحفظ المال لا تضيف هؤلاء، اتق الله في مالك، فلن ينفعك إلا درهمك الأبيض في يومك الأسود! ويضع أحاديث في هذا.
وسوف أقص عليكم بعض قصص البخلاء، وقد ألف فيه بعض الفضلاء كـ الجاحظ بعنوان البخلاء والخطيب البغدادي أيضاً بعنوان: البخلاء.
فأما الخطيب البغدادي، فأتى بآيات وأحاديث وقصص، وأما الجاحظ فجرده قصصاً أدبية، وكلا الكتابين فيهما مسرح للنظر وللفكر، ولا بأس بإيراد بعض الشيء.
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ}[محمد:٣٨] أي: فالذي يبخل لا يبخل إلا على نفسه لا على الله، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[التوبة:٧٩] فالبخل مقيت، قال بعض أهل الأدب: كان أعظم عيب عند العرب البخل.